بعد 2011 و حالة الانفتاح التي تشبه الفوضى و بعد إصدار مرسوم الجمعيّات لسنة 2011 تأسّست آلاف الجمعيّات في وقت وجيز و برضاء أولياء اللّه الصالحين كثر عشّاق العمل التطوّعي و تعدّد المانحون من خارج البلاد قبل داخلها و بدأت هذه الجمعيّات بالاشتغال على أجندات لا يعلمون مآلاتها أو لعلّهم يعلمون “و يكذبون عن أنفسهم بصدق “و يصدّعوا آذاننا بالشعارات النبيلة للعمل المدني في حين هم ضحايا الاغراءات التي قدّمت لهم من أموال طائلة و رحلات إلى كلّ أنحاء العالم و مآدب … لكي لا نضع الجميع في سلّة واحدة هنالك جمعيّات تحمل الهمّ الوطني و تسعى لمعاضدة جهود الدّولة و تنحاز لقضايا البلاد و العباد اختارت عدم الارتباط بالسّلطة السياسية ،
هذه الجمعيّات يقاطعها المانحون الأجانب و يستثنيها الإعلام وهي إلى اليوم مقصيّة و محاصرة بشكل حوّل نشاطها إلى ما يشبه المقاومة و الصمود ، هؤلاء هم المتطوّعون بالفعل ممّن تحرّكم الرغبة في السموّ بهذا المجتمع إلى صورة أفضل من التي نراها و كلّ ذلك بإمكانات ذاتيّة متواضعة و بإرادة صلبة يحرّكها الانتماء لهذه الأرض و لتاريخها و الانحياز لأبنائها .
المانحون الأجانب و الذين يدخلون هذا البلد من بوّابة السفارات و المنظًمات الدّوليّة تمكّنوا من اختراق كامل النسيج الوطني عبر وجود جمعيّات للتمويل و إذاعات جمعياتية و جمعيّات تشتغل على التنمية لتلتصق بالجهاز الإداري (البلديات و الولايات )،
و تتدخّل في السياسات العامّة و الأخطر من كلّ ذلك الجمعيّات الحقوقيّة المرتبطة بالمنظّمات الدّوليّة و لوبيات حقوق الإنسان عبر العالم و التي تتدخّل بشكل مباشر في سياسات الدّولة و تحاول التأثير على القرارات و تمارس كلّ أنواع الضغط لفائدة أطراف و الأمثلة على ذلك أكثر من أن تعدّ و تحصى.
هنالك جمعيّات أجنبيّة دخلت للمؤسّسات السيادية التونسيّة و اشتغلت على العديد من المؤسًسات السجنيّة لأسباب غير معلومة و قد تكون مرتبطة بأجهزة استخباراتية لدول أخرى و بالتالي ما يسمّى بالجمعيات الحقوقية هيً في الواقع أدوات اختراق لسيادة الدّول و عنصر تواصل لأطراف محليّة مع أطراف أجنبيّة و ما خفي كان أعظم بكثير …
إذا ما قارننا عدد الجمعيّات و الأموال الضّخمة المرصودة لها بأدائها و حضورها على أرض الواقع يتّضح لنا أنّنا أمام كيانات تشتغل بميكانيزمات لا مرئيّة لا يعلمها أحد لغايات مدروسة من قبل المانحين الأجانب بعضها يمكن رصده و يتمثّل في تفكيك الكيانات الوطنيّة و فرض علاقات زبونية على الفاعلين المدنيين و بعضها خفيّ يرتبط بما هوّ أعظم و أخطر .
ما يهمّنا في كلّ هذا أنّه يقع على عاتق الدّولة أنّ تراجع هذا النسيج الجمعياتي خاصًة المرتبط بالسلطة السياسية لعشريّة الخراب لأنّه هؤلاء الفاعلين المدنيين شكلا و المفعول بهم واقعا من قبل الجهات الأجنبية المانحة واقعا يمثّلون تهديدا استراتيجيا على الاستقرار السياسي و السّلم الاجتماعي خاصّة بعد تحييد السّلطة السياسية السابقة و محاكمتها و خيار محاربة المافيات و الفساد بحيث لم تبق بوًابة للتأثير في المشهد السياسي في تونس سوى بوّابة الجمعيّات.
يقع كذلك على عاتق الدّولة تمويل الجمعيّات الوطنيًة الصغرى حجما و الكبيرة موقفا و انتماءا لتفتكّ المساحات للجمعيّات المشبوهة المرتبطة بالسفارات و المنظّمات المشبوهة .
إنّ هذه الجمعيّات التي لا أثر لها على الأرض و التي نراها إلاّ عبر صور لصالوناتها في النزل لم تقترب يوما من العمل المدني الحقيقي و المتمثّل في معالجة البؤر المشبوهة المتناثرة في النسيج الاجتماعي و لم تسع يوما لمحاربة الظواهر المشبوهة و الوافدة عبر الانفتاح المفخّخ و الملغوم و يكفي لمعرفة ذلك التساؤل عمّا قدًمته هذه الجمعيات في القضايا الاجتماعية الكبرى (ارتفاع منسوب الجريمة و المخدّرات، الهجرة السرًية ، هجرة الكفاءات، تراجع الزخم الثقافي، الوعي السياسي و محاربة التطرًف …).
ختاما يمكن القول أنّ هذا النسيج الجمعياتي هوّ جزء من المشروع الذي وقع إعداده لضرب أركان الدّولة الوطنية و تفكيك المجتعات و تدجينها و ضرب كلّ مقوّماتها التاريخية و الحضاريًة لغايات يضيق المجال بتفكيكها و تفسيرها.