كشفت صحيفة العرب اللندنية عن إفتعال رئيس الحكومة الليبية منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة أزمة مع تونس عبر غلق معبر رأس الجدير، ومحاولة الدبيبة إبتزاز تونس رغم الوضع الإقتصادي والمالي الذي تمر به تونس.
وأشارت صحيفة العرب اللندية لتورط الدبيبة في التصعيد مع تونس وتجاهل أنها في فترة تستعد فيها لإجراء انتخابات رئاسية رغم إمكانية تفسيره بأنه تعمد لخنق تونس وخاصة المدن الحدودية بهدف خلق مشاكل اجتماعية داخلية تؤثر على حظوظ قيس سعيد.
وقالت الصحيفة بأن تونس حرصت منذ انهيار نظام معمر القذافي على الحفاظ على علاقات جيدة بالغرب الليبي، رغم التوترات الأمنية التي شهدتها ليبيا على مدى سنوات.
لكن هذا الحرص التونسي لا يجد التقدير الليبي الذي يستحقه من جانب السلطات وخاصة من رئيس حكومة الوحدة منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة الذي اختار افتعال أزمة مع تونس .
من المفترض أن الدبيبة يدرك أكثر من غيره أن تونس تمر بوضع اقتصادي صعب منذ سنوات، تزايدت حدته مع تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ولم يبادر الدبيبة إلى دعم البلد الذي أصبح رئة ليبيا الاقتصادية والإنسانية، وصار من الواضح أنه يستغل الظروف التمويلية التي تمر بها تونس.
لم يكن التونسيون ينتظرون دعما اقتصاديا من بلد جار يصنف من بين البلدان الغنية في المنطقة نظرا للانقسامات السياسية وتذبذب إنتاج النفط. لكن ما لم يتوقّعوه أن يقوم الليبيون بإقفال المعبر في هذا التوقيت وهم الذين يدركون جيدا أن الجنوب الشرقي وخاصة المدن الحدودية تعيش على المبادلات التجارية البينية.
بررت حكومة الدبيبة إقفال المعبر في البداية بخلافات داخلية بين وزير الداخلية عماد الطرابلسي والأمازيغ الذين يسيطرون على المعبر ويتحكمون في مسار تهريب الوقود، لكن سرعان ما تبدد الحديث عن تلك الخلافات ليحل محلها الحديث عن مشاورات تتعلق بالصيانة مع تونس لإعادة فتحه.
لاحقا تحدثت تسريبات عن ابتزاز ليبي للحكومة التونسية، حيث اشترط الدبيبة فك التجميد عن الحسابات الليبية التي جمدها المصرف المركزي التونسي في 2016، بالإضافة إلى حسابات أخرى تم تجميدها مباشرة بعد سقوط نظام القذافي.
كان هذا الملف أولوية للدبيبة منذ البداية. فبعد شهرين فقط من توليه السلطة استقبل رئيس الحكومة التونسية الأسبق هشام المشيشي وطالبه باستعادة الليبيين لحساباتهم المالية في تونس ومناقشة رفع التجميد عن الحسابات المالية المرصودة في بنوك تونسية.
والمرجّح أن يكون الدبيبة قد حصل حينها على تعهدات من المشيشي لإيجاد تسوية للملف لكن سرعان ما تغيرت السلطة بعد أشهر في تونس عقب إقرار قيس سعيد لجملة من الإجراءات من بينها إقالة المشيشي مما عطل على الأغلب تفاهمات الدبيبة – المشيشي.
لا توجد أرقام واضحة بشأن قيمة الأموال الليبية المحتجزة. لكن مسؤولين ماليين تونسيين يقدرونها بين 140 و150 مليون دولار، أغلبها احتجزت في 2011 أي عقب اندلاع الثورة على القذافي، في حين تجاوزت قيمة الديون الليبية للمستشفيات التونسية الخاصة 80 مليون دولار سنة 2017 وعلى الأغلب أنها تجاوزت ذلك الرقم بكثير عقب حرب طرابلس في 2019.
تعهد الدبيبة قبل أكثر من سنة بتسديد الديون للمستشفيات التونسية بالإضافة إلى ديون أخرى تشمل قطاعات مختلفة، ولم يكن هذا التعهد الأول حيث تعهد من سبقوه كثيرا لكننا لم نسمع أن تونس مارست ضغوطا او ابتزت جارتها رغم وضعها الاقتصادي.
يحق لليبيين استعادة أموالهم بغض النظر عمّا إذا كان المبلغ يستحق أن تفتعل لأجله حكومة توترا مع بلد جار تربطها به مصالح كثيرة، لكن الظرف قطعا غير مناسب.
الحصار المالي الذي يفرضه المصرف المركزي الليبي على الدبيبة منذ أشهر قد يكون واحدا من العوامل التي دفعته للتصعيد مع تونس وتجاهل أنها في فترة تستعد فيها لإجراء انتخابات رئاسية رغم إمكانية تفسيره بأنه تعمد لخنق تونس وخاصة المدن الحدودية بهدف خلق مشاكل اجتماعية داخلية تؤثر على حظوظ قيس سعيد.
تلتزم تونس الصمت والتحفظ تجاه التصعيد الليبي لكن من غير المعروف إلى متى خاصة مع الاستفزازات الليبية التي لا تتوقف سواء من جهات رسمية أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تفتعل مشاكل افتراضية مع التونسيين بالترويج لأن ليبيا ليست في حاجة إلى السلع التونسية ولا إلى الخدمات الطبية التونسية بعد تعمير مستشفيات بكفاءات تونسية!
ينظر الليبيون للصبر التونسي على أنه ضعف وربما يقول بعضهم إن الدبيبة يتمنى أن تتخذ تونس خطوة ردا على الاستفزازات الليبية حتى تتعمق مشاكلها أكثر وترضخ للابتزاز. لكن لو نفترض أن تبادر تونس إلى اغلاق الحدود أو على الأقل أن تفرض التأشيرة، إلى أين يذهب الليبيون خاصة الفئات متوسطة الدخل التي تشكل غالبية السكان ولا يتجاوز دخلها 500 دولار في الشهر؟ إلى أين سيسافر هؤلاء سواء للعلاج أو السياحة؟
ستصبح تونس حينها حكرا على بعض الأثرياء من الليبيين وسيجد التونسيون حتما وجهات أخرى للعمل وترويج منتجاتهم وسيضطر الليبيون لاستيراد تلك المنتجات من دول أبعد مما سيزيد تكلفتها بالتأكيد.
تبقى هذه مجرد افتراضات الهدف من إثارتها هو التذكير بأن تونس بإمكانها الرد على التصعيد بالتصعيد. لكن هذا لا يصب في مصلحة أيّ من الجانبين، لذلك تبقى المفاوضات والحوار الأسلوب الأمثل للتوصل إلى تفاهمات بعيدا عن أساليب التعالي والابتزاز التي لا تليق بمستوى العلاقات بين البلدين.