Centered Iframe
أخبار وطنية

العودة الطوعيّة لمهاجري إفريقيا جنوب الصحراء: بين مطرقة الحلم وسندان الواقع

“لم أعد أرغب في الذهاب لإيطاليا, فقط أريد العودة إلى الوطن والعيش بسلام.”

عبارات قالها “أمادو”,(اسم مستعار) المهاجرالأنغولي ذو العشرين عاما, بعيـــــــــــــون دامعة وقلب حـــــــــــزين, قبل أن يغوص بين الآلاف من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء القابعين بين أشجار الزيتون في مخيّم العامرة, من ولاية صفاقس جنوب الجمهوريّة التونسيّة, في إنتظار اللحظة المناسبة لعبور الضفة الأخرى نحو بلدان المتوسط لنيل “الأمان والراحة”.

أحلام منكسرة في مخيم العامرة

يتكلم “أمادو” وهو يشير إلى المئات من الخيام المصنوعة من أكياس البلاستك وبقايا أقمشة مهترئة, المنتشرة في كل الإتجاهات بين الزياتين, ونظرات عيناه اليائسة تجوب الفضاء الرحب كأنها تجيب عن أسباب عدوله عن تحقيق “الحلم” الذي يعتبره زملائه وأترابه هناك قريبا. لتظهر من بين الخيام أكداس مكدسة من القمامة المتناثرة تفوح منها روائح كريهة, فضلات بشرية, جثث حيوانات ملقاة تحت شجر الزيتون, أطفال عزاؤهم الوحيد قطعة رغيف تهدأ غضب أمعائهم وجرعة دواء تكافح الأوجاع التي تمزق أجسادهم النحيلة, مشاهد دفعت هذا المهاجر الشاب الى التخلي عن “حلم” المرور إلى أوروبا والعودة إلى مسقط رأسه رغم الرحلة الشاقة التي مر بها ليصل إلى ما إعتبروها نقطة التوقف والعبور الأخيرة .

(شهادة لأحد المهاجرين من داخل مخيم العامرة)

للوصول إلى صفاقس, النقطة الفاصلة بينهم وبين الضفة الشمالية للمتوسط, يقطع المهاجرون من افريقا جنوب الصحراء ألاف الكيلومترات متحدين مشقة الطريق وحرارة الصحراء, مواجهين مخاطر عديدة, ليجدوا أنفسهم عالقين في مخيمات بلاستيكيّة مع غياب الحد الأدنى من مرافق الرعاية, كالغذاء والدواء والسلامة الجسديّة, وفق شهادات المهاجرين الموجودين في العامرة.

(مشاهد من داخل مخيّم العامرة):

وفي هذا السياق نجد تعدد وتباين الأرقام الرسمية لعدد المهاجرين الموجودين في تونس وعدد المهاجرين الذين تم تلبيّة طلبهم في العودة الطوعيّة إلى بلدانهم الأصليّة، ليبلغ العدد العائدين بصفة طوعيّة حوالي 12500 مهاجرا إلى حدود ماي 2024, حسب ما أفادت به الإدارة العامة للحرس الوطني على صفحتها الرسميّة في موقع الفايسبوك.

(غرافيك احصائيات حول المهاجرين العائدين طوعيا)

رحلة العودة الطوعية: أمل المهاجرين

   وأمام هذا الإنسداد في الأفق,لم يخف “موسى” (اسم مستعار) ذو الأصول الغينيّة هو الآخر إصراره على العودة الطوعيّة لبلده, تظهر على “موسى” ملامح التعب والإرهاق رغم سنه الصغير وهو يروى  قصته, فقد غادر الشاب الغيني موطنه, ولم يتجاوز عمره السبعة عشر ربيعا, بعد ما لقيّه من تهميش وإهمال على أمل أن تكون الحياة أفضل في أحد بلدان ضفاف المتوسط. وبعد مرور ستة أشهر من وجوده في العامرة والظروف القاسيّة التي زاحمت هجرته  لم يعد يقدر على البقاء والإنتظار في تونس للعبور الى الضفة الأخرى. أمل  “موسى” الوحيد هو العودة الطوعيّة حتى لو كلفه ذلك ذهاب كل ما مر به هباء.

  ويجدر الإشارة أن طلب “أمادو” و”موسى” في العودة الطوعيّة هو الطلب المشروع للمهاجرين وتعرّفه المنظمة الدوليّة للهجرة (OIM)على أنه:

“عودة مدعومة أو مستقلة إلى بلد الأصل أو بلد العبور أو بلد آخر على أساس قرار عودة طوعي.”

وتقوم هذه المنظمة بتوجيه وتأطير المهاجرين الذين قرروا العودة طوعيا من خلال دليل يوضح الإجراءات والإرشادات اللازمة لتسهل عودتهم في أمان وتعيد إدماجهم.

(غرافيك تفسيري للإجراءات)

<iframeloading=”lazy” style=”position: absolute; width: 100%; height: 100%; top: 0; left: 0; border: none; padding: 0;margin: 0;” src=”https://www.canva.com/design/DAGJeVaHaMo/Pq2eRO8ZQRa_dVeZRDLF2w/view?embed” allowfullscreen=”allowfullscreen” allow=”fullscreen”>

مراحل المساعدة على العودة الطوعيّة par ibtihelbennour

إضافة إلى وجود المنظمات الوطنيّة كالرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان التي تساهم في مرافقة المهاجر في استكمال الإجراءات وتحقيق هدفه, وفق ما صرح به محمد حمادي, المكلف بالحقوق والحريات في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان, فرع صفاقس الشماليّة.

(تصريح محمد حمادي)

ويرى البعض من المهاجرين إجراءات العودة الطوعيّة كالقشة التي يتعلقون بها بعد ما إختبروا وذاقوا ما تيسر من التهميش والألم وشابهوا في رحلة هروبهم قصة “امادو” أو “موسى”, لعلها ترسي بهم إلى بر الوطن.

حق المهاجرين في العودة الطوعية

  وتكفل العديد من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية  العودة الطوعيّة, وتنص على حقوق المهاجرين واللاجئين وتقر بأن للمهاجر الحق في العودة لبلده طوعيّا سواء كان نظاميا أو غير نظامي, ونذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر اتفاقيات جنيف لسنة 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لسنة 1977, والميثاق العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والمنتظمة (GCM) المعروف أيضا باسم ميثاق مراكش, وفق المحاميّة حميدة الشايب, عضوة الهيئة المديرة للرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان.

(تصريح حميدة الشايب)

وعلى الرغم من المجهودات العالميّة إلّا أن حضور النصوص القانونيّة التي تنظم و تكفل العودة الطوعيّة في المشرّع التونسي ضئيلة, إذ نجد فقط قوانين خاصة للتعامل مع المهاجرين واللاجئين بطريقة تنظيميّة شاملة دون تخصيص أو تفصيل للعودة الطوعيّة، ونرى ذلك في عدد من الفصول العامة مثل الفصول عدد 4 و5 و23 و25 من قانون عدد 7 لسنة 1968 المتعلق بحالة الأجانب بالبلاد التونسية.

(غرافيك تفسيري للأطر القانونيّة)

<iframeloading=”lazy” style=”position: absolute; width: 100%; height: 100%; top: 0; left: 0; border: none; padding: 0;margin: 0;” src=”https://www.canva.com/design/DAGJphYyyko/vKKZsVmA2tA6fbwEaUX5SQ/view?embed” allowfullscreen=”allowfullscreen” allow=”fullscreen”>

الأطر القانونيّة للعودة الطوعيّة par ibtihelbennour

وعلى تعددها ورسميّتها, لا تريح هذه الأطر التنظيميّة واجراءات العودة الطوعيّة قلب “أمادو”, فهو يشعر أن أمل العودة إلى دياره مهدد أيضا بالإندثار والتلاشي أمام عدم نفاذه إلى المعلومة وفق تعبيره حيث يقول بحسرة وإرهاق:

” لا أعرف أحدا ليساعدني, ولا أحد يجيبني عن أسئلتي حول العودة.”

ألقى “أمادو” بكلماته هذه, ثم عاد إلى خيمته المهترئة, بين أشجار الزيتون في مخيم العامرة، أين تتلاشى الأحلام بالوصول إلى أوروبا لتحل مكانها رغبة ملحة في العودة إلى الديار، حيث يبدو الحلم البسيط بالسلام والأمان بعيد المنال. وبينما تظل القوانين والاتفاقيات الدولية صامدة، يبقى الأمل في النفاذ إلى المعلومة والدعم الفعلي هو الشعاع الرفيع الذي قد ينير طريق المهاجرين الذين يريدون العودة الطوعيّة، ليصلوا إلى أوطانهم بكرامة وأمان، بعيدًا عن الخيام ومرارة الانتظار.

انجز هذا العمل في إطار مشروع تواصل  الممول من منظمة internews

عمل صحفي
ابتهال بنور

علي مبارك

Centered Iframe

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى