هي قصيدة مباركة نظمها الإمام أبي عبد الله محمد بن سعيد بن حماد البوصيري، في 457 بيتا، ترجم فيه محبته الخالصة لنبي الله الكريم. هذا الحب، تجلى في مجموعة من القصائد المدحية، منها قصيته الهمزية، في مدح خير البرية”.
الهمزية، كما يعرفها علماء المسلمين
اهتم قدماء علماء مشيخة الزيتونة، بالهمزية وتعريفها وشرحها، من ضمنهم، العلامة، التونسي، الشهير سيدي محمد الشاذلي النيفر”(1908_1997)، الذي خصها ببحث وتحقيق شامل، عنونه ب”أم القرى، الهمزية في مدح خير البرية”، حيث يقول أن “الهمزية انفردت عن بقية المدائح النبوية الأخرى، انفرادا ممتازا، فهي تبرز من السيرة النبوية، وجها يتضمن من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم ، مايدعو إلى معرفته بحسب طاقتنا، لا بحسب ما منحه الله من كمالات وجميل صفات ما عجز عن إدراكه البشر….”
فيما قال عنها العلامة شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي ( 909ه_973)، وهو شيخ فقيه شافعي، متصوف ومتكلم على طريقة أهل السنة من الأشاعرة، وشارح الهمزية البوصيرية، أنها قصيدة مشهورة “العذبة الألفاظ، الجزلة المباني، العجيبة الأوضاع، البديعة المعاني، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج أحد على منوالها، ولا وصل إلى حسنها وكمالها حتى الإمام البرهان القيراطي، فإنه أراد أن يحاكيها، ففاته الشنب، وانقطعت به الحيل، عن أن يبلغ من معارضتها أدنى ارب وذلك لطلاوة نظمها وحلاوة رسمها وبلاغة جمعها وبراعة صنعها…”
غوص في همزية مدح خير البرية
نظمت مدحية النبي صلى الله عليه وسلم، في 457، بيتا، تراوحت بين وصف الحبيب وسرد أحداث من السيرة النبوية المشرفة، وقد قام الشيخ العلامة، سيدي الشاذلي منيفر، بتبويبها وفصلها الأبيات وفق معناها والإطار الذي نظمت فيه، وقد استهل ذلك ب “سمو المقام النبوي” كيف ترقى رقيك الأنبياء، يا سماء ما طاولتها سماء” وذكر
“نسبه وميلاده صلى الله عليه وسلم”،
“نسب تحسب العلا بحلاه، قلدتها نجومها الجوزاء”
و”رضاعه وعجائبه صلى الله عليه وسلم”:
“وبدت في رضاعه معجزات، ليس فيها عن العيون خفاء”.
ونشأته في حال طفولته وبعدها، وكذلك حجب الشياطين عند دنو البعثة:
“بعث الله، عند مبعثه الشهب حراسا وضاق عنها الفضاء”.
و”الجد في نشر الدعوة”
ثم قام النبي يدعو إلى الله، وفي الكفر نجده واباء
وتحدث الناظم عن الهجرة والإسراء والمعراج والتبليغ والدعاء إلى الله وكفاية الله تعالى له، نقض الصحيفة.
و قصة الصحيفة، أن بني هاشم وبني عبد المطلب لما امتنعوا من تسليم النبي صلى الله عليه وسلم، قاطعتهم قريش
بكتابة صحيفة في جوف الكعبة وكان ذلك في السنة السابعة للبعثة، فأقام المقاطعون سنتين أو ثلاث حتى اشتد عليهم البلاء، فقام هؤلاء الخمسة ونقضوا الصحيفة، وقد سأل الشاعر، أن يجعل الله سبحانه وتعالى الخمسة الهالكين، للخمسة، الذين نقضوا الصحيفة فداء:
فديت خمسة الصحيفة بالخمسة ان كان بالكرام فداء.”
كما ذكر الناظم كذلك، عناية الله بنبيه صلى الله عليه وسلم، و أخلاقه صلى الله عليه وسلم ومحاسن صفاته، و معجزاته، وتمنيه رؤيته ولقاءه و عفوه وجمال أفعاله صلى الله عليه وسلم وعن عجز مدحه صلى الله عليه وسلم:
“إن من معجزاتك العجز عن وصفك، إذ لا يحده الاحصاء”
“كيف يستوعب الكلام سجاياك وهل تنزح البحار الركاء”
“ليس لغاية من وصفك أبغيها وللقول غاية وانتهاء.”
ناظم الهمزية، صوفي راسخ في التراث الإسلامي.
هو محمد بن سعيد بن حماد البوصيري، شرف الدين، ولد سنة 608 هجريا، بصنهاجة، أكبر القبائل الأمازيغية، بشمال المغرب العربي، ثم انتقل مع والده إلى القاهرة، أين درس العلوم والأدب وحفظ القرآن الكريم وتتلمذ على يد كبار العلماء، من أمثال أبو حيان الغرناطي وأبو العباس المرسي. وقد عني بالاطلاع وقراءة السيرة النبوية.
كان البوصيري، صوفيا، وقد اشتهر بمدائحه النبوية، وقد استهل مسيرة المدح بأاياته الثلاث وقصيدته الحائية والدالية. ومن أشهر أعماله المدحية، هي قصيدة “البردة، الكواكب الدرية، في مدح خير البرية”. وقصيدة الهمزية، التي أصبحت تردد في المساجد والجوامع العربية، من جامع الزيتونة في كل سنة، احتفالا بالمولد النبوي الشريف.
الهمزية، في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
في كل عام، يحتفل التونسيون بذكرى المولد النبوي الشريف، تعبيرا منهم، على حبهم لهذا الرسول الكريم، خير خلق الله. وتتجلى مظاهر الاحتفال، بالذكر والصلاة والسلام عليه وترديد محاسنه وصفاته صلى الله عليه وسلم. وتعتبر همزية، البوصيري، من أكثر المدحيات، التي يرتفع أصوات الحاضرين بها، لما تعبر به عن صدق الكلمات في حب رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه.