لم تعد الحروب الحديثة تستهدف السيطرة على الجغرافيا كهدف مباشر و لو أن بسط النفوذ على المجال يظل الهدف الأساسي و النهائي لكل صراع.
التحكم في المواد الاولية و مصادر الطاقة و الأسواق ، يمر ظرورة عبر إخضاع الذوات البشرية ، لما أصبح من الممكن تحقيق ذلك دون الحاجة إلى استعمال القوة العسكرية ، و بشكل أكثر نجاعة و فاعلية لتحقيق الأهداف ، بتكلفة أقل و ضمان تواصل الحالة واستدامتها .
صناعة المنظور و صياغة التمثل الجماعي كفيل بتحديد السلوك ، الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي، من خلال إعادة ترتيب الأولويات و الأهميات ، بإعادة تحديد إمتدادات الذات و تعريف الأنا و النحن و الآخر ، أي الهوية ، محدد لنظام القيم و الأخلاق و القوانين ، الولاء و البراء ، يقدم الأجوبة البديهية عن الإستفهامات الكبرى حول أسىئلة المنشئ و الوجود و المنتهى ، أي المعنى و القيمة.
تسقط الأنظمة الحاكمة و الدول و يعاد ترسيم الحدود في الأذهان أولا ليصبح إسقاطها على الجغرافيا عملية آلية حتمية .
هي القوانين الازلية لنشوء الحضارات و زوالها ، الفارق أصبح في التوقيت بما توفر من وسائط تقنية للتأثير على شكل و مضامين التواصل أقصد وسائط التواصل الإجتماعي ، التي يتم عبرها التحكم في مسارات الوعي الجماعي ، و تسريع عمليات التغيير الثقافي و السلوكي .
_ تنزيل المفاهيم سابقة الذكر على الواقع التونسي الحالي :
الشعب يريد ” ، “حرية التعبير تتطلب حرية” التفكير” ، مفاهيم مضادة تقع على النقيض تماما من أدوات الهيمنة و الإخضاع العالمي ، أسلحة دفاعية مقاومة يخشى أن تتحول إلى وسائل هجومية من خلال البرنامج و الأدوات .
كسر الإرادة الجماعية عبر استهداف مراكز صناعتها و سلاسل تحقيقها هو ما يتم العمل على إنجازه من خلال جملة من الخطوات العملية :
_ إنهاك رئيس الجمهورية بعدد لا متناهي من الأحداث المفتعلة و الإختراقات بعد زعزعة الثقة في عدد من القيادات من المحيط القريب للجهاز التنفيذي ” رؤساء حكومات ، مديري الديوان ، وزراء سيادة …) و بشكل متتالي
_ خلق حالة من عدم الرضا لدى العناصر المؤثرة و التي تولت المهام التنويرية للغالبية الشعبية من خلال ترويج و نقل و تفسير المبادئ الفكرية لما اصطلح على تسميته ب ” مشروع 25 جويلية “
و هو ما بدا جليا في تحديد شبكة التنسيق في الحملة الإنتخابية الرئاسية
_ محاصرة المنابر و المنصات الإعلامية الدعائية للمشروع بوسائل و طرق مختلفة
و إخراس صوتها ، ضرب صفحة رئاسة الجمهورية الحامل الأساسي للتواصل مع الجماهير الشعبية .
_العمل على افتعال صراعات بين مختلف اجهزة الدولة لإحداث شلل في أدائها.
_خلق حالة من عدم الرضا الشعبي على الأداء السياسي خاصة من ناحية النتائج الإقتصادية
عبر الإحتكار و تعطيل السير العادي للمرافق العمومية و الخدمات الإدارية
وذلك بغاية ضرب الشرعية الإنتخابية التي تمثل المرتكز الرئيسي ” للمشروع ” و تعويضها بشرعيات ثانوية قابلة للنقل و التحويل في ميزان القوى .
إن كسر الإرادة الشعبية الملتحمة مع القيادة السياسية يساوي خسارة الحرب و لو بعد حين .
الآن أصبح من الممكن تصنيف الأفعال و الأقوال و الأشخاص وفق المقاييس المذكورة .
التشييد و البناء يتطلب مسبقا تشييد الإرادة الشعبية و تنظيم البناء الهيكلي الإتصالي و التعبوي .