كلمة السيد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم خلال افتتاح الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم لمناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2025 والمهمات والمهمات الخاصة الجمعة 8 نوفمبر 2024 .
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد: رئيس مجلس نواب الشعب
السيد: رئيس الحكومة والسادة الوزراء وكل الوفد المرافق
السيدات والسادة أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم ومجلس نواب الشعب
مرحبا بكم جميعا
يشرفني الحضور بينكم جميعا في هذه الجلسة العامة الهامة و إن لقاءنا اليوم ليس فقط لتقديم ومناقشة قانون المالية والميزانية، بل هو مناسبة لتجديد التزامنا بمهامنا السامية وهي الدفاع عن حقوق الشعب والعمل من أجل تحقيق تطور بلادنا التي تستحق أن تكون دائما رائدة فتونس التاريخ والجغرافيا والمقدرات والشعب العظيم المكافح مؤهلة ليعيش شعبها في رفاهية وان تكون قائدة مشروع تطور اقليمي وعربي وافريقي.
إننا نؤمن بأن دور كل المؤسسات لا يقتصر على مناقشة الأرقام وتوزيع الميزانيات، بل يتجاوز ذلك إلى مجابهة كل التحديات الاجتماعية الملحة، وتعزيز التنمية البشرية، وضمان وصول الموارد والفرص إلى جميع المواطنين دون تمييز. فدورنا يكمن في ضمان ألا يشعر أي مواطن في ربوع هذا الوطن بالتهميش أو الإقصاء، وفي الحرص على أن تعكس الميزانية العامة تطلعات الشعب وتعمل على تحسين ظروف عيشه.
إن المجلس الوطني للجهات والاقاليم، وفي إطار مهامه الدستورية، وفي إطار فلسفة وجوده كمؤسسة دستورية منتخبة هدفه تحقيق العدل بين الجهات والفئات، فلأول مرة في تاريخ تونس تكون الجهات المقصية لعقود من السلطة ومن الثروة ممثلة اليوم تحت قبة باردو، وهي فرصة لأقول أن مقدّمـــــةَ المشاركة في انتاج الثروة وتوزيعها توزيعا عادلا هو المشاركة في القرار.
اليوم اقول أن نواب المجلس الوطني للجهات والاقاليم و المجالس الإقليمية و المجالس الجهوية و المحلية هم تعبيرة صادقة عن الشعب التونسي وفئاته الشعبية المكافحة من طلبة و عمال وصغار فلاحين وموظفين واصحاب شهائد وصغار تجار وصناعيين وحرفيين وغيره، وهذه هي الاغلبية الشعبية التي اختارت نهج التحرر الوطني واختارت شعار البناء والتشييد شعارا للمرحلة، ففي الوقت الذي تتآمر فيه البارونات وكرتلات الفساد وتعطل فيه حفنة العائلات التي نهبت الشعب مشروع التحرر تكافح هذه الفئات من اجل جعله واقعا باذن الله.
لن نخذل أبناء تونس اريافا وقرىً ومدنا وسنسعى إلى تطوير السياسات التي تدعم كل الجهات والفئات الشعبية، وتضمن الحقوق الأساسية مثل التعليم، والصحة، والسكن اللائق، وتوفير فرص الشغل. وإننا ملتزمون ببناء الدولة الاجتماعية التي تحقق العدالة والتضامن بين كافة أبناء الشعب، وتضمن العيش الكريم لكل فرد.
السيدات و السادة
الحضور الكريم
إن حضورنا ليس فقط لتدارس أرقام الميزانية أو مناقشة بنود قانون المالية، بل هو محطة لتجديد العهد مع شعبنا الأبي، وتأكيد التزامنا بقضاياه المصيرية. نؤكد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أننا في المجلس الوطني للجهات والأقاليم ننحاز إلى معركة التحرر الوطني، وندرك مسؤوليتنا في الدفاع عن مقدرات الوطن، وتغيير السياسات السابقة التي عمّقت الفقر وهمّشت الشعب، وفرطت في مقدراته.
ففي التزامنا بالعدالة الاجتماعية وتكريس الحقوق الأساسية لكل مواطن، نؤكد على ضرورة إرساء عدالة جبائية حقيقية تكون ركيزة للتنمية المستدامة وأداة لرفع الظلم الاقتصادي عن المواطنين. فالنظام الجبائي العادل ليس مجرد أداة تمويل للدولة، بل هو دعامة لتوزيع الثروات بشكل منصف، بما يُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتوفير فرص متكافئة للجميع.
وهو ما يحتم علينا جميعا العمل على وضع سياسات جبائية تراعي الفئات الضعيفة وتدعم الاقتصاد المحلي، خاصة المشاريع الصغرى والمتوسطة، فهي العمود الفقري لاقتصادنا الوطني. وعلينا أيضاً أن نعمل بجدية على تقوية نظم الرقابة والمحاسبة لضمان توجيه الموارد الجبائية نحو تحقيق التنمية الفعلية، وأن نُشرك المواطن في هذا الجهد عبر توعيته بأهمية الضريبة كآلية لدعم المصلحة العامة، شرط أن تُحترم مبادئ الشفافية والمساواة في إدارة هذه الموارد.
السيدات و السادة
نجتمع اليوم في لحظة تاريخية تستدعي منا جميعاً وعياً عميقاً بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقنا. إننا أمام تحديات جسيمة، لكننا أيضاً أمام فرص عظيمة للنهوض بوطننا العزيز، تونس، والمضي قدماً في المشروع الوطني التحرري الذي يهدف إلى بناء دولة قوية ومستقلة، تحترم سيادة شعبها وتفرض مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية.
إن المشروع الوطني التحرري ليس مجرد شعار، بل هو رؤية متكاملة تسعى لتحقيق التحرر في كافة مجالات الحياة: التحرر الاقتصادي من سياسات التبعية، التحرر الاجتماعي من الفقر والتهميش، والتحرر السياسي من أي تدخل خارجي يمس بقرارنا الوطني. هذا المشروع يرتكز على إرادة شعبية واعية، وعلى تضافر جهودنا جميعاً لتمهيد الطريق نحو بر الأمان والرقي الذي يليق بتاريخ تونس ومستقبلها.
ولتحقيق هذا الهدف، علينا العمل على تعزيز سيادة تونس في الداخل والخارج. داخلياً، يجب أن نحرص على تطوير اقتصاد وطني متين يقوم على الإنتاج والابتكار، لا على الاستدانة والاعتماد المفرط على الخارج. يجب أن ندعم الصناعات المحلية، ونشجع الفلاحين والمستثمرين الوطنيين، ونعمل على تقليص الفوارق بين الجهات، بما يضمن عدالة اجتماعية حقيقية.
أما على الصعيد الخارجي، فإن دعم سيادة تونس يعني الدفاع عن مصالحنا الوطنية بكل قوة، وبناء علاقات تقوم على الندية والاحترام المتبادل مع جميع الدول. نحن نطمح إلى أن تكون لتونس كلمة مسموعة في العالم، قائمة على حماية استقلالية قرارنا الوطني، مع الانفتاح على شراكات متوازنة تعود بالنفع على شعبنا.
إن العبور بتونس نحو بر الأمان يتطلب منا جميعاً إيماناً راسخاً بمشروع التحرر الوطني وبالقدرة على تحقيقه من خلال الثقة بأنفسنا وبشعبنا، وبتسلحنا بعزيمة لا تلين في مواجهة التحديات. يجب أن نوحد الصفوف، ونضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ونسعى جميعا إلى بناء مستقبل نضمن فيه لأجيالنا القادمة حياة كريمة ومستقرة في وطن حر ومستقل.
السيد رئيس مجلس نواب الشعب
السيد رئيس الحكومة والوفد المرافق
الزملاء النواب الكرام
دخلت تونس منذ 25 من جويلية 2021 مرحلة جديدة في تاريخها، وهو ما يستلزم علينا جميعا ، أن نستشعر هذا التحدي وأن نتملك الإرادة السياسية لبلورة مقاربات جديدة ومشتركة لكسب المستقبل في ظل وضع دولي يتجه إلى مزيد من التوترات خلال السنوات القادمة، وهو ما يتطلب منا توسيع دائرة علاقاتنا الاقتصادية بالاستثمار في المزايا الجيوسياسية لبلادنا.
فالوضع الدولي، بقدر ما فيه من مخاطر فيه أيضا فرص كبيرة علينا استثمارها، ولا مجال الى ان نكون مع شعوب الجنوب عموما ضحايا
النظام العالمي السابق واللاحق، ولذلك، علينا تشبيك علاقتنا والاستثمار في مازايا بلادنا الجيواستراتيجية لنسهم مع الشعوب الحرة في إرساء نظام انساني جديد على انقاض نظام التوحش الحالي الذي وصل ذروة توحشه، في ما تعيشه غزة وعموم الأرض المحتلة في فلسطين وما يعيشه لبنان الشقيق.
ان العدوان الهمجي وحرب الإبادة التي تشن على أبناء أمتنا في غزة ولبنان هي دليل على وصول هذا النظام الدولي إلى نهايته فلا يمكن لنظام يسمح بكل هذا الاجرام أن يستمر.
و إن ما أقدمت عليه المقاومة في السابع من أكتوبر غيّرَ تاريخ فلسطين و تاريخ الامة العربية و تاريخ الانسانية، وهو يومٌ هَزَّ ضميرَ الإنسانية وغيّر قناعات شعوبا بكاملها، لقد عادت فلسطين أولوية الأولويات في العالم. بل وأصبحت قلب الصراع الإنساني ضد الظلم والهيمنة والاستغلال. وعلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والاقاليم إسناد موقف السيد رئيس الجمهورية التاريخي والقوي والمشرف تجاه نضال شعبنا في فلسطين حتى تحرير فلسطين كل فلسطين وإنهاء الوجود المادي لما يسمى اسرائيل باعتبارها كيانا استطانيا عنصريا نازيا غير مشروع .
ختامًا، إن تعاونكم بروح الفريق الواحد وإصراركم على تحقيق أهدافنا المشتركة هما أساس نجاحنا. أدعوكم جميعًا لمواصلة العمل ، وتعزيز جهودكم لرفع راية تونس عالياً وتحقيق المزيد من الإنجازات التي نفخر بها جميعًا. شكراً لكم، ومعًا نمضي نحو مستقبل أفضل.