يتابع الليبيون باهتمام التطورات في سوريا، ليس فقط باعتبارها بلداً عربياً مهماً في المنطقة، ولكن تحسباً لبلوغ انعكاسات هذا الزلزال المسرح الليبي الذي يشهد تنافساً في النفوذ بين لاعبين رئيسيين في قلب الأحداث السورية هما روسيا وتركيا، بالإضافة إلى الحضور الأميركي.
وتتمتع موسكو بتحالف متين مع قادة شرق ليبيا، وفي مقدمهم قائد الجيش الوطني خليفة حفتر، لكنها أجرت خلال الأشهر الأخيرة اتصالات بالمتحكمين في العاصمة الليبية توجت بفتح سفارتها في طرابلس مطلع شباط (فبراير) الماضي. لكنّ ثمة توتراً لاح بين موسكو والحكومة الليبية المركزية في العاصمة طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة. فبعدما أوقفت أجهزة الأمن التابعة للأخيرة روسي الجنسية في جنوب غرب ليبيا وجهت إليه اتهامات تتعلق بـ “التخابر”، حذرت السفارة الروسية لدى ليبيا رعاياها من زيارة البلد، وخصوصا الجزء الغربي، سواء لأغراض شخصية أو للسياحة، فيما طلبت حكومة الدبيبة من موسكو توضيحاً لأسباب التحذير. ودافعت عن توقيف المواطن الروسي “وفق القوانين الليبية”. وتشير التحقيقات الأولية إلى أنه متورط في نشاطات تضر بالنظام العام وتفسد الشباب الليبي، إلى وجود ارتباطات بجماعات مسلحة أجنبية تنشط في إفريقيا”.
نفوذ تركيا
وبالمثل، تملك أنقرة نفوذاً ضارباً في غرب ليبيا وتركيبة حكمه، لكنها أيضاً انفتحت العام المنصرم على التعاون مع قادة شرق ليبيا في خطوة لافتة بلغت ذروتها في زيارة نجلي حفتر، بلقاسم وصدام للعاصمة التركية في رحلتين منفصلتين. ولاحقاً أعلنت شركة الخطوط الجوية التركية استئناف رحلاتها إلى مدينة بنغازي في 14 من الشهر المقبل بتسيير ثلاث رحلات أسبوعياً.
تزامن ذلك مع تحركات أميركية لافتة استبقت عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بتكثيف الحضور في المشهد الليبي على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفي قلب هذا التحرك تقليص النفوذ الروسي في المشهد الليبي.
هذه التقاطعات عززت قلق الليبيين من انتقال ما يجري في سوريا إلى بلدهم الذي يعاني أصلاً انسداداً سياسياً وصراعاً محلياً على السلطة والنفوذ.
الكاتب المتخصص في الشؤون الروسية سامر إلياس يؤكد ل”النهار” أن موسكو “ستكون أكثر تمسكاً بنفوذها في ليبيا وستسعى إلى التفاوض مع السلطات في ليبيا أو الجزائر لإنشاء ميناء عسكري، وخصوصاً إذا وصلت التطورات في سوريا إلى درجة إخلاء قاعدتها البحرية في طرطوس والتي تمثل قاعدة مهمات رئيسية على البحر المتوسط، بالإضافة إلى قاعدة حميميم الجوية لتوفير اللوجيستيات لما بات يعرف بـ”الفيلق الإفريقي” الذي يؤدي دوراً مهما في السياسة الروسية والتوسع في القارة الإفريقية وخصوصا منطقة الساحل والصحراء.
ويضيف: “بعد الحرب الروسية على أوكرانيا باتت ليبيا قاعدة مهمة لموسكو باعتبارها قاعدة مركزية جنوب المتوسط في مواجهة حلف شامل الأطلسي “ناتو”، متوقعاً “أن تعمل روسيا بالشراكة مع الصين الطرف الأكثر ضخاً للاستثمارات، على منافسة نفوذ القوى الأوروبية والولايات المتحدة في إفريقيا”، ومشدداً على أن “لا مؤشرات لانسحاب روسيا من تلك المنطقة، بل على العكس ستسعى إلى تعزيز علاقتها بليبيا والجزائر”.
تعزيز مركز عمليات موسكو
واذ يتفق الخبير العسكري الليبي العقيد السابق عادل عبد الكافي مع إلياس على كون ليبيا باتت أكثر أهمية لموسكو في هذه المرحلة، يشير إلى أنها ستسعى إلى تعزيز مركز عملياتها هناك، وتؤدي دوراً في تجديد الأسلحة التي يعتمد عليها الجيش الوطني الليبي وتدريب عناصره.
ويشير لـ”النهار” إلى أن “موسكو تعلم أن وجودها في سوريا بات مسألة وقت وتعمل الآن على نقل معداتها وإخلاء مواقعها العسكرية وتحريك قطعها البحرية”، لكنه يؤكد أن الولايات المتحدة “لن تسمح باستمرار النفوذ الروسي وستسعى إلى تقليصه وقطع خطوط الأمداد الروسية إلى منطقة الساحل والصحراء”.
ويوضح عبد الكافي أن الولايات المتحدة “فعّلت حضورها خلال الشهور الماضية لتكون لاعباً مباشراً ورئيسياً في المشهد الليبي، عبر تقاربها السياسي والعسكري مع قادة الجيش الوطني الذي شارك عناصره أخيراً في تمرين عسكري دولي في تونس، بالإضافة إلى تحركها مع دول أوروبية لتشكيل قوة عسكرية مشتركة مهمتها تأمين الحدود الجنوبية الليبية”.
ويقول: “رغم تأخر التحرك الأميركي، فقد بات فاعلاً خلال الشهور الأخيرة بهدف تقليص النفوذ الروسي على ساحل المتوسط”، متوقعاً أن تفقد موسكو خلال الفترة المقبلة دورها في ليبيا مع استمرار الضغط الأميركي، على أن يقتصر وجودها في دول غرب إفريقيا.
لكن إلياس يختلف مع هذا الرأي، إذ يشير لـ “النهار” إلى أن الولايات المتحدة “لا تعتبر ليبيا قضية رئيسية، وأن اللاعبين الرئيسيين في هذا البلد هما إيطاليا وفرنسا المعنيتان بملف الهجرة ومشاريع النفط والعاز، بالإضافة إلى تركيا التي يعتمد وجودها العسكري على اتفاقات مع الحكومة المركزية في طرابلس”، لافتاً إلى أن “طبيعة الصراع تغيرت خلال الأعوام الثلاثة الاخيرة، وأن المصالح التركية – الروسية في ليبيا ليست على تضاد، فكل طرف له برنامجه، والأتراك يعلمون أن الوجود الروسي لا يهدف إلى إطاحة الحكومة المركزية، بل إن موسكو عينت سفيراً في العاصمة وهو ديبلوماسي نشيط عمل خلال الشهور الماضية على فتح قنوات اتصال بكل الأطراف الليبية”.