تمرّ تونس اليوم بمرحلة مفصلية في تاريخها الحديث، حيث تتكشّف أمام الرأي العام خيوط شبكات التآمر التي تغلغلت في مفاصل الدولة طوال العشرية السوداء. شبكات لم تكن تهدف إلا إلى تقويض أركان السيادة الوطنية، وتسليم القرار الوطني لقوى أجنبية وأجندات خفية.
لسنا أمام خلاف سياسي عابر، بل أمام ملفات خطيرة، تتعلق بالتخابر مع الخارج، وبمحاولات تفكيك الدولة من الداخل، وبالسعي إلى الاستيلاء على مؤسسات الحكم بطرق غير مشروعة. في صلب هذا المشهد تبرز ما بات يُعرف إعلاميًا بـ”قضية التآمر 2″، وهي اليوم بين يدي القضاء، الذي نثق في استقلاله وعدله.
هذه القضية لم تنزل من فراغ، بل جاءت استكمالًا لتحقيقات معمقة كشفت عن تورط شخصيات سياسية بارزة، من بينهم وزراء ورؤساء حكومات سابقون، ومحامون، ونشطاء، تتعلق بهم تهم ثقيلة في غاية الخطورة: تسريب معلومات أمنية، التنسيق مع أطراف أجنبية مشبوهة، السعي لإرباك مؤسسات الدولة، ومحاولة التأثير على استقرار البلاد عبر إعلام موجه وتمويل خارجي.
وقد أظهرت الأبحاث أدلة قاطعة، من مراسلات وتسجيلات، توضح طبيعة هذه التحركات، ومن يقف وراءها، والجهات التي دعمتها في الداخل والخارج. وفي ضوء الطابع الحساس والخطير لهذه القضية، تُدار المحاكمات جزئيًا عن بُعد، كما هو معمول به في العديد من الدول، حفاظًا على سير العدالة وسرّية التحقيق.
ورغم كل ذلك، خرجت بعض الأصوات، من الداخل ومن خلف البحار، لتدّعي أن ما يحدث هو “تصفية حسابات سياسية” أو “مسّ بحرية الرأي”. وهنا نقول بوضوح: التآمر على الدولة لا يمكن أن يُعتبر رأيًا، ولا أن يُصنّف ضمن حرية التعبير. من خان الأمانة، وسعى لإسقاط مؤسسات الدولة، وتخابر مع الخارج، لا يمكن أن يُعامل كناشط أو معارض سياسي.
تونس اليوم تخوض معركة تحرير قرارها الوطني، واسترجاع سيادتها من براثن التبعية. وأي تهاون مع من خان البلاد هو خيانة ثانية. إن الشعب التونسي الذي نزل في 25 جويلية مطالبًا بالتصحيح، يستحق دولة قوية، وعادلة، ونظيفة، لا مكان فيها للمتآمرين ولا لوكلاء المصالح الأجنبية.
المعركة الآن بيد القضاء، وكلنا ثقة أنه سيكشف الحقائق كاملة، ويُعيد للعدالة معناها، وللدولة هيبتها.
زر الذهاب إلى الأعلى