“ ليس الأشرار هم من سيدمرون العالم، بل أولئك الذين يرون ويسمعون كل شيء ولا يحركون ساكنا.”
كثيرا ما تُنسب هذه المقولة إلى ألبرت أينشتاين لإضفاء مزيد من المصداقية على معانيها، ولكن هذه النسبة لا تستند إلى أي مصدر موثوق. وفي الواقع فإن هذا الأمر غير ذي بال ما دامت الوقائع تشهد صارخة على صحتها. فالكلمات التي تهزّ الوجدان ليست بحاجة إلى أن تنسب لكاتب حتى يكون لها وقعها، فالحقائق ماثلة أمامنا، وحال معنويات الناس مرآة تعكس حال العالم.
ولقد اختارت مؤسسة كمال الأزعر بمناسبة الاحتفال بعيد الاضحى المبارك أن توجه رسالة صادقة تتناسب كلماتها مع قساوة ما نعيشه.
يبدو لنا من غير اللائق اللجوء إلى عبارات التهاني المألوفة، فيما تتّسع نيران الحروب والنزاعات الهويّاتيّة، من السودان إلى أوكرانيا، ومن أوروبا إلى الشرق الأوسط ومن الساحل إلى هوامش العالم المنسيّة، لترسم خرائط العدم.
كيف نُجاري طقوس التهاني المرحة في وقتٍ ترتكب فيه إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، إبادة وثقتها وأكدتها محكمة العدل الدولية والعديد من الهيئات الأممية الأخرى، ومع ذلك تم تجاهلها من قِبل من يزعمون تمثيل القانون وتجسيد القيم الانسانية؟
كيف نتظاهر بالتفاؤل، والجوع والعطش والحرمان من الدواء والعلاج تُستخدم أسلحة ضد الفلسطينيين، رضعا وأطفالا ونساء وشيبا وشبابا دون أي استثناء، والمساعدات تُكدّس على أبواب غزة، ممنوعة من الوصول إلى مستحقيها، والصمت يُنصَّب بديلاً عن الدبلوماسية؟ كيف نغذي الأمل بالقيم الانسانية الكونية، ونحن نراها تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، والمؤسسات الدولية تُفكَّك بخطى حثيثة متواصلة ومدروسة؟
لكل هذا، اختارت مؤسسة كمال الأزعر أن تكون صادقة مع نفسها ومع أصدقائها وشركائها وألا توزع التهاني المستهلكة، وألا تُجَمِّل الكارثة بعبارات جوفاء.
لكننا نود أن نؤمن بشيء آخر.
نود أن نؤمن بإنسية جديدة، لا تُفرض بل تُبنى جماعيا.
بإنسية يعاد ابتكارها، تكون التعدّدية فيها رابطًا لا حدا فاصلا.
نود أن نؤمن بألا يكون السلام مجرّد هدنة تفصل بين جريمتين، وبأن يصبح احترام الحياة والكرامة الإنسانيتين قيمةً معترفًا بها بالتساوي بين جميع البشر.
زر الذهاب إلى الأعلى