لا تنبض الحياة في مكان لا تتحدث فيه سوى بنادق الموت، ما يؤكد أن النزاعات المسلحة، تعد أكبر عدو للإنسان نظرا لما تسببه من أزمات فظيعة.
وفي السودان، تسببت الحرب المستمرة منذ منتصف إبريل 2023، في أكبر أزمة إنسانية، بحسب الأمم المتحدة، إذ تركت قرابة 24 مليون شخص سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
وفي إقليم كردفان، تدهورت الأوضاع الإنسانية بشكل مقلق بحسب تقارير أممية، وانعكست بشكل كبير على الأطفال نظرا لانعدام أبسط مقومات الحياة.
وفي آخر التطورات، أعلن أطباء في السودان، 12 أغسطس 2025، وفاة 17 طفلًا جراء انعدام الأمن الغذائي بمدينة الدلنج، وهي ثاني أكبر مدن جنوب كردفان.
وقالت في بيان: “خلال الأسابيع الماضية، رصد فريق الشبكة وفاة 17 طفلًا بمدينة الدلنج نتيجة سوء التغذية الحاد”. وأكدت أن المنطقة تعاني ندرة في الغذاء والدواء، مع صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة، بجانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وحذرت من “كارثة إنسانية وشيكة ما لم يتم التدخل العاجل لتوفير الغذاء والدواء، ودعم المرافق الصحية بالإمدادات الأساسية، وضمان وصول المساعدات بشكل آمن ومنتظم، وفك الحصار عبر الإسقاط الجوي للمساعدات حال تعثر الوصول برًّا.”
وطالبت المنظمات الدولية والإقليمية والجهات المعنية، “بالتحرك الفوري لإنقاذ أرواح المدنيين في جنوب كردفان ورفع المعاناة عن آلاف الأسر التي تواجه خطر المجاعة والمرض خاصة في موسم الخريف الذي تتزايد فيه الأوبئة.”
خطر فقدان جيل كامل من الأطفال
وفي وقت سابق، حذرت مديرة برامج الطوارئ في منظمة اليونيسف لوشيا إلمي من أن السودان يخاطر بفقدان جيل كامل من الأطفال، وأوضحت أن أطفال السودان محاصرون في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ويعصف بهم الصراع والنزوح والجوع.
ولفتت إلى أن أكثر من 16 مليون طفل في السودان بحاجة ماسة إلى المساعدة، ونحو 17 مليون طفل خارج المدرسة منذ عامين. وتواجه الفتيات مخاطر جسيمة، بما فيها العنف الجنسي والاتجار والزواج القسري. وأكثر من 12 مليون شخص معرضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتابعت:”الوصول إلى هؤلاء الأطفال أصبح صعبا بشكل متزايد. خلال زيارتي الأخيرة، سافرت إلى كسلا والقضارف وود مدني، حيث شهدت فحص الأطفال للكشف عن سوء التغذية، وأمهات يسعين إلى علاج عاجل لأطفالهن، وأسر يائسة للحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي. الحاجة مذهلة، ومع ذلك، المساعدات غير متوفرة بالحجم والسرعة المطلوبين”.
ودعت “جميع الجهات الفاعلة، الحكومات والجهات المانحة وأطراف النزاع، إلى التحرك الآن لضمان الوصول الإنساني عبر خطوط الصراع والحدود، وحماية العاملين في المجال الإنساني والإمدادات، وزيادة التمويل لتلبية الاحتياجات المتصاعدة، وإنهاء العنف.”
تفاقم الأزمة
ومع استمرار الأزمة الإنسانية وغرق السودان في الفوضى منذ انقلاب الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021
تفاجأ الشعب السوداني بإعلان التناول عن مثلث حلايب وشلاتين من طرف الجيش السوداني، لصالح السيادة المصرية.
وأثارت الخطوة، ردود فعل غاضبة داخل الشارع السوداني، حيث وصفها معارضون بأنها “خيانة كبرى” تستوجب المساءلة، ومحاسبة كل المسؤولين عنها.
تطور قد يعيد رسم خريطة النزاعات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي، وكشفت مصادر سياسية ودبلوماسية أن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وبدون الرجوع الى اي مؤسسات أقر اتفاقاً سرياً يضع مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد تحت السيادة المصرية.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المريديان تايمز من مسؤولين سابقين ومطلعين على سير المفاوضات، فقد تم تمرير هذه الخطوة المثيرة للجدل خارج الأطر التشريعية والرسمية،
وتشير الوثائق المسربة بحسب ذات المصدر إلى أن الخرائط المعدلة وُقّعت بضغط من قيادات عسكرية سعت إلى مقايضة السيادة الوطنية بضمانات سياسية ودعم إقليمي.
المثلث يسيطر عليه الجيش المصري منذ منتصف التسعينيات، ويتمتع بموقع استراتيجي يتحكم بمدخل البحر الأحمر ويزخر بثروات معدنية وموارد بحرية.
ولكن هذه المزايا لم تمنع بعض الأطراف داخل المؤسسة العسكرية السودانية من المضي في الصفقة، بمشاركة شخصيات سياسية من بورتسودان، أبرزها كامل إدريس، بحسب المصدر نفسه.
سيطرة تتجاوز المثلث
في غضون ذلك، يرى مراقبون أن مصر تجاوزت السيطرة على حلايب وشلاتين لتصبح صاحبة نفوذ مباشر على الحكومة السودانية وقرار قادة الجيش، وفقا لتقرير أعده برق السودان.
ويتهم هؤلاء “البرهان بأنه أداة في يد القاهرة، ساهم بسياساته في تدمير البنية التحتية، وتهجير ملايين السودانيين، وإذكاء الصراعات القبلية. ويرون أن القضية لم تعد مجرد نزاع حدودي، بل تحول السودان بأكمله إلى ساحة نفوذ مصري، وحلايب وشلاتين لم تعد سوى جزء صغير من المشهد الأكبر”، بحسب المصدر.
وفي سياق ردود الفعل، قال تجمع أبناء العاصمة الوطنية أم درمان في بيان: “طالعنا باستنكار وغضب بالغين، ما ورد في موقع القاهرة 24 عن منح سلطة الفريق عبد الفتاح البرهان اعترافًا بسيادة جمهورية مصر العربية على أراضٍ سودانية خالصة هي حلايب وشلاتين.”
وأكد في بيان أن “هذه الأراضي جزء لا يتجزأ من الوطن السوداني، وستظل كذلك طال الزمن أو قصر، وهي أمانة في أعناق الأجيال، لا يملك أحد – كائنًا من كان – حق التنازل عنها أو بيعها.”وأشار إلى أن “البرهان وسلطته الانقلابية لا يمثلون الشعب السوداني، بل يمثلون مشروعًا مشبوهًا للعمالة والتفريط في سيادة البلاد، بعد أن باعوا دماء الشهداء، وها هم اليوم يتاجرون في أرض السودان، خدمةً لمصالح ضيقة وأجندات خارجية.”
وتابع البيان: “إننا في تجمع أبناء العاصمة الوطنية – أم درمان، نرفض رفضًا قاطعًا هذه الممارسات الخيانية، ونحذر من أن أي تفريط في حلايب وشلاتين أو غيرهما من الأراضي السودانية لن يمر دون حساب، وأن الشعب السوداني سيظل متمسكًا بحقوقه التاريخية والسيادية حتى تعود كل شبر إلى حضن الوطن”
دوافع شخصية
يبدو أن تخلي الفريق عبد الفتاح البرهان بقرار فردي بشأن مثلث حلايب لمصر يمثل خطوة للحصول على الدعم اللازم لتعزيز سيطرته على السلطة، وهو هوس يجمع المراقبون على أنه يسيطر عليه؛ ففي خضم سعيه المحموم للبقاء على رأس الهرم السياسي، يفرط البرهان في أراضٍ سودانية خالصة، يسكنها بالكامل قبائل سودانية. إن هذا القرار الفردي، الذي يفتقر إلى أي أساس قانوني أو شرعية دستورية، يثير تساؤلات جدية حول مدى استعداده لتقديم تنازلات على حساب سيادة السودان ووحدة أراضيه.
ولعل هذا السلوك ينسجم مع سجل البرهان المثير للجدل، فبعد أن دمر البلاد من أجل السلطة، يبدو أنه مستعد لفعل أي شيء في سبيلها.
وتشير التقارير إلى أن البرهان قد لجأ إلى تحالفات مشبوهة، بما في ذلك التنسيق مع جهات مصنفة كإرهابية، مثل بعض الفصائل المسلحة، بالإضافة إلى سعيه للحصول على دعم من جماعات متطرفة مثل الإخوان المسلمين، التي كانت حاضرة بقوة في النظام السابق قبل اندلاع الحرب هذا التنازل عن المبادئ، يكشف عن يأس عميق ورغبة جامحة في البقاء في السلطة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل السودان وشعبه.
زر الذهاب إلى الأعلى