
دخلت محافظة شبوة اليمنية ثاني أكبر محافظات البلاد عهدًا جديدًا من الطاقة النظيفة بافتتاح مشروع محطة الطاقة الشمسية في مدينة عتق، اليوم الخميس، ليحقق اليمن إنجازين بمشروع واحد أولهما إنهاء معاناة مئات الآلاف من المدنيين والمستمرة منذ سنوات طويلة مع انقطاع الكهرباء وثانيها تقليص استهلاك الوقود لتوليد الكهرباء، ما يعني تقليص الاعتماد على الوقود المكلف مثل الديزل وتخفيف الضغط على الميزانية العامة.
يقوم مشروع محطة الطاقة الشمسية في مدينة عتق على توليد طاقة بقدرة 53 ميجاوات في شبوة، لدعم قطاع الكهرباء في المحافظة. ويمثل هذا التشغيل خطوة طال انتظارها لمعالجة أزمة الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي.
يعد المشروع نقلة نوعية في البنية التحتية بمحافظة شبوة، ويمثل استثمارًا طويل الأمد في مجال الطاقة النظيفة والمستدامة، بما يعزز فرص التنمية ويحسن مستوى الخدمات الأساسية للسكان، حيث تمتد المحطة على مساحة 600 ألف متر مربع، وتشيد في الجهة الشمالية الغربية من مدينة عتق.
ويصف المراقبون المشروع بأنه مكسب وطني واستراتيجي لمحافظة شبوة، وسيفتح آفاقًا لمزيد من المشروعات التنموية والخدمية في المستقبل، ويساعد على تعزيز استقرار الكهرباء بالمحافظة.
المشروع الثالث
تدخل محطة شبوة للطاقة الشمسية في نطاق قطار محطات الطاقة المتجددة الذي تموله دولة الإمارات ويقف اليوم في محطته الثالثة في شبوة بعد محطتين سابقتين في كل من عدن والمخا. وتضع هذه المشروعات اليمن على خارطة منتجي الطاقة المتجددة النظيفة عالميًا، بالتزام إماراتي لا يهتز، يهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية الحيوية.
على سبيل المثال فإن محطة الطاقة في عدن التي جرى إنشاؤها بدعم الإمارات وفرت طاقة نظيفة ومستقرة تعادل احتياجات أكثر من 70 ألف منزل، حيث تعمل بقوة 120 ميجاوات، وكذلك محطة المخا بقوة 15 ميجاوات، في خطوة من شأنها أن توفر قرابة 100 مليون دولار شهريًا من فاتورة الطاقة.
ولعل النجاح الذي حققته تجربة عدن فتح الطريق أمام إنشاء محطات مماثلة في شبوة وتعز وسقطرى ساهم في توسيع نطاق الاستفادة من الكهرباء النظيفة لتغطية مئات الآلاف من اليمنيين، ما يعني في النهاية مساعدة البلد العربي على تقليل الاعتماد على الديزل والمشتقات النفطية.
وتعاني محافظة شبوة من انقطاعات في التيار الكهربائي تستمر أكثر من 18 ساعة يوميًا، حيث تبلغ ساعات التشغيل ستة ساعات فقط، ويأمل المدنيون اليمنيون في أن تسهم محطة الطاقة الشمسية بتخفيف جزء من معاناتهم اليومية، بحسب منصة «الطاقة».
ومحطة شبوة تضم أكثر من 120 لوحًا شمسيًا، ونظامًا لتخزين الكهرباء ومحطة تحويلية وخطوط ضغط عال بقدرة 33 كيلو فولت، وبطول 19 كيلومترًا، ومن المتوقع أن تؤدي دورًا مباشرًا بتحسين مستوى المعيشة للمواطنين في شبوة.
وتعمل هذه المحطة على توفير الكهرباء المستمرة للمنازل، مما يتيح للمواطنين أداء أعمالهم اليومية بشكل أفضل، ودعم المستشفيات والمراكز الصحية بالكهرباء المستمرة، ما يحسن جودة الرعاية الصحية، ويضمن استمرار تقديم الخدمات الأساسية، وتمكين المدارس والمؤسسات التعليمية من العمل دون انقطاع، ما يعزز جودة التعليم ومستقبل الطلاب، وتقليل الاعتماد على المولدات الكهربائية والوقود المكلف، وبما يخفف من الأعباء المالية على الأسر.
ولا تشكل ثالث محطة طاقة شمسية في اليمن بتمويل إماراتي مجرد مصدر للكهرباء النظيفة فحسب، بل نموذجًا للتنمية المستدامة والاهتمام بالجانب الإنساني للمواطنين أيضًا، حيث يمثل ذلك استثمارًا مباشرًا في مستقبل الإنسان اليمني عبر خارطة طريق شاملة للطاقة المتجددة في اليمن لتأمين مستقبل مستدام للأجيال.
دعم المدارس
هذه التحركات الإماراتية ومثلها دولية أخرى، تسير بالتوازي مع مساهمات أممية وأوروبية، فقبل سنوات أطلق الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن، المعروف اختصارًا بـ«SIERY»، بهدف دعم الحكم المحلي وتعزيز الخدمات العامة والتنمية الاقتصادية في البلاد، وامتد نشاطه في 45 مديرية يمنية مختلفة.
ومن بين النجاحات التي كثف المشروع عمله عليها كانت عملية تركيب الطاقة الشمسية في المؤسسات التعليمية لمعالجة تأثير انقطاع التيار الكهربائي على المدارس، ونجح بالفعل في تركيب ألواح شمسية في أكثر من 70 مركزًا تعليميًا.
وباستخدام أسطح المدارس المسطحة، توفر هذه السلطات كهرباء مستمرة وتغني عن الحاجة إلى مصادر الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري. ولا يقتصر هذا التحول على إلغاء تكاليف الكهرباء – التي تُشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على المؤسسات التعليمية – بل يضمن أيضًا تبريد الفصول الدراسية بشكل كافٍ خلال فترات الحر وإطالة فترات الدوام المسائي، مما يجعلها أكثر ملاءمة للتعلم، وخاصة للنساء والفتيات، كما يستفيد المعلمون والمديرون التربويون من هذه الميزة بشكل كبير.
ولم تعد آلات نسخ أوراق الامتحانات معطلة، ما يتيح إعداد اختبارات الطلاب وإجرائها في الوقت المحدد، بل وأصبح إدخال البيانات مستمرًا دون انقطاع، مما يقلل من تراكم الأعمال، وأتاح توفر الكهرباء بشكل موثوق إدخال أساليب التعلم الإلكتروني، بما في ذلك الوصول إلى الإنترنت والشاشات التفاعلية والموارد الإلكترونية.
وباستخدام الطاقة الشمسية، بدا واضحًا المساهمة الأممية والأوروبية الكبيرة في تقليل البصمة الكربونية وتعزيز التكيف مع المناخ، مما يُظهر للطلاب أهمية حلول الطاقة المستدامة. ولعل أحد أشهر الأمثلة على ذلك مدرسة دار سعد في عدن التي تكتسي أسطحها بالألواح الشمسية.
وأخيرًا يكشف تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن اليمن حقق فوائد مالية وبيئية من الطاقة المتجددة عبر تركيب ألواح الطاقة الشمسية في 114 موقعًا عامًا (أماكن التجمعات الاجتماعية، التعليم، الصحة، الحكومة المحلية، والطرق الرئيسية) للتحول من مولدات الديزل إلى الطاقة المتجددة. فمن خلال استبدال المولدات بأنظمة الطاقة الشمسية، ساهم المشروع في توفير حوالي 740 ألف دولار أمريكي سنويًا من تكاليف الديزل، مع تجنب انبعاث 2,735 طن من ثاني أكسيد الكربون، وهذا التخفيض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يعادل التأثير البيئي لزراعة حوالي 125 ألف شجرة سنويًا.