كغيرها من مدن السودان، شهدت مدينة الكومة بولاية شمال دارفور، انتهاكات فظيعة بحق المدنيين، عبر الغارات الجوية، تجاوزت 150 طلعة جوية وفقًا لقيادات أهلية.
وفي يوم 11 أكتوبر 2025، عاشت المدينة على وقع جريمة حرب فظيعة، تمثلت في قصف جوي على تجمع سكني للمدنيين، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
ووسط أجواء أزمة إنسانية مأساوية، كانت مجموعات أهلية في المنطقة يناقشون الأوضاع، و”يبحثون عن حلول لعدة مشاكل.” قبل أن يباغتهم قصف جوي، بحسب شهادة لأحد القيادات الأهلية بمدينة الكومة في فيديو بُث في مواقع التواصل الاجتماعي.
وظهر القيادي بالمنطقة، أثناء تشييع جثامين ضحايا الغارة التي شنتها مسيرات يرجح على أنها تركية الصنع، مع سكان المدينة، إلى المثوى الأخير.
واتهم الجيش باستهداف المدنيين في الأحياء المأهولة بالسكان. وطالب المجتمع الدولي بضرورة التدخل لوقف ما أسماه الاستهداف المنهجي الذي يتعرض له المواطنون الذين لا علاقة لهم بالحرب.
وقال إن هذا الهجوم، يضاف “إلى جرائم النظام بورتسودان، نظام البرهان، نظام الإخوان المسلمين، نظام المؤتمر الوطني نظام الحركة الإسلامية، يقتلون المواطنين الأبرياء في أحياء سكنية.” وأكد أن الضحايا، ليسوا في “منطقة عسكرية ولا هم بجنود ولا هم حملة للسلاح ولا عربات قتالية هذه هي جرائم نظام بورتسودان، النظام الذي أدمى الشعب السوداني كله.”
ودعا المجتمع الدولي، والمنظمات الوطنية، والمنظمات الدولية، إلى التحرك لوقف آلة الحرب التي تقتل الأبرياء في أحيائهم” وأكد أن الغارات دمرت كل وسائل الحياة.
إدانة رسمية
وضمن أبرز ردود الفعل، أعرب تحالف السودان التأسيسي، عن إدانته و استنكاره لمجزرة “الكومة التي ترقى إلى جرائم إبادة جماعية تُمارس ضد المكونات السكانية في إقليم دارفور.”
وقال في بيان رسمي: “في انتهاكٍ صارخٍ للقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ارتكب «جيش الحركة الإسلامية الإرهابية» صباح اليوم “السبت” هجوماً مروعاً بطائرة مسيّرة استهدف المدنيين العزّل في مدينة الكومة بشمال دارفور، مما أسفر عن استشهاد أكثر من عشرين شخصاً وإصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة.”
وعبر عن تضامنه “الكامل ومواساته العميقة لأسر الضحايا، سائلين الله الرحمة والمغفرة للشهداء.” وتمنى “الشفاء العاجل للمصابين، وبينهم نساء وأطفال تعرّضوا لإصابات بالغة جراء القصف.”
ودعا تحالف “تأسيس المجتمع الدولي، والمنظمات الإقليمية، والهيئات المعنية بحقوق الإنسان إلى اتخاذ موقف حازم إزاء هذه الانتهاكات المتكررة، وإلى التحرك العاجل لوقف استهداف المدنيين وتأمين الحماية اللازمة للسكان في المناطق الخالية من أي وجود عسكري.”
وقال المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان، إنه “يجب على الطيران الحربي اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنين، لكن الطيران يستهدف المدنيين مباشرة ويرتكب جرائم ضد الانسانية.”
انتهاكات مستمرة
مدينة الكومة، عاشت على وقع عدة جرائم حرب فظيعة، من بينها استهداف قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي ببلدة الكومة، كانت في طريقها إلى مدينة الفاشر، وأسفرت الحادثة عن مقتل خمسة من عمال الإغاثة، خلال يونيو الماضي ، واتهم الجيش السوداني بالوقوف ذلك.
وفي ديسمبر من سنة 2024، شنة الجيش السوداني 3 غارات جوية على الكومة، أسفرت عن مجزرة أوقعت مئات القتلى والجرحى، فضلا عن تدمير البيوت.
وقالت منظمة “مناصرة ضحايا دارفور” آنذاك، إن “الطيران الحربي التابع للجيش قصف بلدة الكومة بثلاث غارات متتالية على المدنيين”، فيما قالت “لجان مقاومة الكومة”، إن حصيلة الضحايا منذ بداية قصف الجيش السوداني للبلدة، بلغت “237 قتيلًا من المدنيين، ومئات الجرحى”.
ويرى مراقبون، أن استمرار طيران الجيش السوداني في قصف إقليم دارفور، يستهدف بشكل خاص، أفراد قبيلة الزغاوة التي عانت من التهميش لسنوات.
ويأتي القصف المستمر على الزغاوة، رغم تجنيد مقاتليها من طرف الجيش السوداني، واستغلالهم خلال الحرب المستمرة منذ منتصف إبريل 2023.
عقود من التهميش
وعانت قبيلة الزغاوة منذ عقود، من التهميش والغبن طيلة عقود من الزمن، حين كان السودان تحت حكم الإسلاميين، إبان فترة رئاسة عمر البشير.
وحين تولى التنظيم الإسلامي السلطة في 1989م، اعتبر الزغاوة مهدداً للأمن القومي السوداني، وهي في ذلك احتكرت تحديد ما هو الأمن القومي السوداني واحتكرت أحقية تصنيف الآخرين، بحسب الناشط من القبيلة عبد الجبار دوسة.
وقال إنه “استخدمت قوة السلطة في التعامل مع الزغاوة بذلك التصنيف، وكانت النتائج المرعبة التي عاشها الزغاوة وعاشتها مناطقهم طوال تلك السنوات، كان العديد من أبناء الزغاوة أعضاءً وقيادات في ذلك التنظيم الحاكم، وبعضهم يبدو أنه لم يستوعب بعد الدروس.”
وتحدث عن مخاطبة ياسر العطا مساعد البرهان، لجبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، “اللذان ينحدران من قبيلة الزغاوة، بأن يعودا إلى دولتهم التي أتيا منها في إشارة إلى أنهما وفقاً لقوله ليسا سودانيين وهو قطعاً لا يملك حق تحديد من هو المواطن، فقط هي عنجهية خطاب احتكار الوطن والمواطنة والسلطة الذي تسبب في دمار السودان.”
وتابع: ” ما يجري في السودان هو نتاج لأزمة الدولة في السودان التي استفحلت وفاضت فانفجرت بمختلف تقاطعات الأجندة بداخلها، ولكن حلّها ليس بدعوة الزغاوة أو أي قبيلة للاصطفاف إلى جانب أي طرف، وإنما بالعمل على مختلف المستويات لوقف الحرب والبحث عن حلول توصلنا إلى دولة المواطنة المتكافئة في ظل حكم مدني في نظام ديموقراطي.”
محاولات لتقسيم السودان
في غضون ذلك، يرى الناشط عبد المنعم همت، أن الحركة الإسلامية في السودان، شكلت ” منذ نشأتها مشروعا سياسيا استغلاليا يتخفّى خلف عباءة الدين لتحقيق أهداف سلطوية ضيقة، دون اعتبار للتنوع الديني، الثقافي، والعرقي الذي يشكّل النسيج الفريد للسودان.”
وقال إن دارفور، لم تكن “بتكوينها الاجتماعي والديني المميز، بمعزل عن مشروع الحركة الإسلامية. فقد عمدت الحركة إلى توظيف الإسلام الشعبي في الإقليم كأداة للتغلغل والسيطرة.”
وأشار إلى أن هذا التوجه، بلغ ذروته في رؤية عبدالرحيم حمدي عام 2005، التي دعا فيها صراحة إلى استبعاد دارفور من خطط التنمية الوطنية بحجة أنها ليست جزءا من السودان التاريخي.” وأضاف: “لم تكن رؤية حمدي مجرد فكرة عابرة، بل أصبحت نهجا ثابتا في سياسات الحركة الإسلامية. هذه العنصرية المتجذرة لم تقتصر على دارفور وحدها، بل امتدت إلى جميع الأقاليم المهمشة في السودان، ممّا خلق شعورا بالاغتراب لدى سكان هذه المناطق، وأدى إلى تصاعد التوترات العرقية والقبلية.”
وقال إن “ما نشهده اليوم من تصفيات عرقية وقبلية هو نتيجة مباشرة لهذه السياسات العنصرية. الحركة الإسلامية، التي تدّعي تمثيل الإسلام، تسعى إلى تقسيم السودانيين وفق خطوط عرقية ودينية لتثبيت سلطتها. هذا النهج لا يهدد فقط وحدة السودان، بل يدفع بالبلاد نحو التفكك الشامل.”
ويرى كثيرون من أبناء الزغاوة إن الحركة الإسلامية التي تسيطر على قرار الجيش وحكومته العسكرية تستغل الخلافات بين أطراف داخل الزغاوة وتذكيها من أجل تجنيد واستغلال الشباب والأطفال واستخدامهم وقودا للحرب.
زر الذهاب إلى الأعلى