بعد أكثر من عامين، لم تعد الضغوطات على طرفي صراع السودان لإنهاء الحرب، مقتصرة على الجهود الخارجية، فالشعب أصبح ينتظر أكثر من أي وقت مضى، وضع حد لهذه الأزمة التي قتلت أكثر من 120 ألف سوداني.
وبهذا الخصوص، وصلت إلى الآلية الرباعية الدولية – التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر – مذكرة موقعة من أكثر من 200 شخصية سودانية من مختلف القطاعات المدنية، تؤيد خارطة طريق وقف الحرب.
وطالبت المذكرة بتبني خارطة طريق الآلية الرباعية بصورة كاملة من قبل مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الأفريقي، وتفويضهما باتخاذ قرارات قوية لحماية المدنيين، باستخدام كافة الوسائل المتاحة وفقاً للقانون الدولي. وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد المطالب الشعبية والدولية بوقف الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين.
ودعت المذكرة الآلية الرباعية إلى تكثيف جهودها مع طرفي النزاع الرئيسيين، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، من أجل القبول الفوري بوقف العدائيات والتوقيع غير المشروط على الهدنة الإنسانية المقترحة.
وشددت على ضرورة تجاوز أي تلكؤ أو تعطيل، تمهيداً لانطلاق عملية سلام سياسية تعيد للسودان وحدته واستقراره. وأكد الموقعون أن الطريق إلى المستقبل يجب أن يكون مدنياً وسلمياً، مع استبعاد الأطراف العسكرية ومشعلي الحرب من أي دور سياسي مستقبلي، واستعادة الفضاء المدني وصوت الضحايا، واستكمال مسار الثورة نحو بناء وطن يسوده السلام والعدالة.
ووقع على المذكرة، عشرات التنظيمات السياسية، والأكاديميين، والدبلوماسيين، والأدباء والفنانين، إلى جانب القانونيين، والقيادات المهنية والنقابية، وأعضاء من لجان الطوارئ الإنسانية ولجان المقاومة. وحملت الوثيقة شعار “بارقة أمل: في دعم جهود الرباعية لسلام السودان”.
ردة فعل صادمة
وفي الوقت الذي ينتظر السودانيون صدفة، مع ضغوط أمريكية لوقف الحرب، تفاجأ المجتمع الدولي، برفض قائد الجيش في بورتسودان، برفض مقترح الهدنة، في الوقت الذي وافقت عليه قوات تحالف السودان التأسيسي “تأسيس”.
وكشفت مصادر إعلامية، عن أن البرهان طلب من الادارة الاميركية تسمية تركيا وقطر كوسيط، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة للتهرب من المساعي الأميركية لوقف الحرب.
ويؤكد مراقبون، أن هذا الطلب، يقف خلفه إسلاميو السودان، وفلول النظام السابق المتواجدين حاليا في إسطنبول، والدوحة بعد ثورة ديسمبر.
وفي سياق متصل، يقول الناشط السوداني منعم سليمان، إن الردود على مقترح الهدنة، “كانت كاشفة وصارخة؛ قيادة الجيش في بورتسودان، التي تقبع تحت سيطرة الإخوان المسلمين وتقع أسيرة لخطابهم المعادي للإنسان، غير قادرة على الانفكاك من السيطرة الأيديولوجية لتنظيمٍ يريد العودة إلى الحكم، ولو على حساب أيّ شيءٍ وكل شيء!.”
وأشار إلى “اجتماع ما يُسمّى بـ “مجلس الأمن والدفاع”، وهو مجلس معادل لمجلس (دار الندوة) في جاهلية قريش قديماً، حيث كانوا يجتمعون فيه لتخطيط الدسائس والمكائد، وهو المجلس الذي اجتمع فيه كفارهم للتآمر على قتل النبي (محمد) صلى الله عليه وسلم، وقطع الطريق أمام رسالته الانسانية العظيمة. كما يفعل الآن الكفار بالديمقراطية في بلادنا!.”
وتابع: “البرهان لا يزال يخاطب الناس بخطاب الحسم العسكري، مع أن الناس – بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب – قد أدركوا أن هذه الحرب لن تنتهي بأدواتها الحالية ولو استمرت قرنًا من الزمان، وأن كل يوم يمرّ في ظل هذه الحرب يعني مزيداً من الاقتراب من المقابر، مزيداً من النزوح، ومزيداً من تفكّك بلادهم وتمزّقها وانهيارها الشامل الكامل.”
وأشار إلى “أنّ الشيء الذي لم يُدرِكه البرهان حتى الآن، أن الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي أفرزتها الحرب في بلادنا قد بدّلت مفهوم النصر في معاييره الدولية؛ فأصبح المنتصر فيها ليس من ينتصر في الميدان، بل من ينتصر للإنسان.”
تركيا.. وقود للصراع
الرأي العام السودان تفاجأ من طلب البرهان تسمية تركيا كوسيط، نظرا لدورها الصريح في استمرار الحرب، عبر تزويد الجيش في بورتسودان بمعدات حربية متطورية، أبرزها مسيرات بيرقدار أكنجي، وفقا لواشنطن بوست.
ولم تقتصر تركيا على تقديم الدعم العسكري المباشر للبرهان بل قامت أيضا بإيواء قيادات الحركات الإسلامية السودانية، التي تمارس نفوذا كبيرا على الجيش، وسط مساعي أنقرة إلى تعزيز نفوذها في السودان.
وفي هذا السياق، قال الناشط السوداني زهير عثمان، إن “تركيا تستضيف منذ سنوات عدداً من الإسلاميين السودانيين الذين غادروا البلاد بعد سقوط نظام البشير، والذين ما زالوا يمتلكون نفوذاً في المشهد السياسي والعسكري السوداني. بعض هؤلاء الإسلاميين يدعمون الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، بينما يفضل آخرون التهدئة والانخراط في عملية سياسية تضمن لهم دوراً مستقبلياً في الحكم.”
وأضاف أنه في هذا السياق، “ظهرت تقارير تفيد بأن قيادات إسلامية سودانية في تركيا تحاول التأثير على القرار العسكري والسياسي داخل السودان، سواء من خلال دعم الاتصالات بين الحكومة السودانية وأنقرة، أو عبر تحركات دبلوماسية تهدف إلى كسب التأييد الدولي لموقف الجيش السوداني.”
تحالف عسكري
في غضون ذلك، كشفت مجموعة من الوثائق والاتصالات التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” كيف قامت شركة تركية بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني.
وأشارت إلى أن فريقا من شركة “بايكار”، أكبر شركة دفاعية في تركيا، تواجذ على الأرض لضمان إتمام الصفقة بسلاسة. ولفتت إلى “تم توثيق هذا التبادل غير العادي من خلال مجموعة من الرسائل النصية والتنصتات الهاتفية، والصور والفيديوهات، ووثائق الأسلحة، وسجلات مالية أخرى حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” وتم التحقق منها جزئيًا باستخدام سجلات الهواتف، وسجلات التجارة، وبيانات الأقمار الصناعية.”
ووفقًا لعقد وشهادة المستخدم النهائي التي اطلعت عليها “واشنطن بوست”، فقد أرسلت “بايكار”، “المملوكة جزئيًا لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز TB2 ومئات من الرؤوس الحربية. وقد أكد ذلك من خلال رسائل ووثائق تتبع الرحلات الجوية.”
وأشار ذات المصدر، إلى أن بايكار تعتبر “المورد الرئيسي للطائرات المسيّرة للجيش التركي، وأكبر مصدر دفاعي في البلاد. يمكن لطرازها المتقدم TB2 حمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات، وهو مصنوع باستخدام العديد من المكونات الأمريكية الصنع.لم تستجب بايكار، ولا الجيش السوداني، ولا الحكومة السودانية لطلبات التعليق.”
وأظهرت الوثائق أيضًا بحسب الصحيفة، التسهيلات التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، مما يمنح لمحة نادرة عن عالم صفقات الحروب المظلمة. وأشارت إلى أنه تم الإبلاغ سابقًا عن وجود أسلحة تركية في ساحة المعركة السودانية، لكن لم يكن ذلك بمثل هذا التفصيل، الذي يكشف عن هوية الوسطاء، وحجم الشحنات، وكيف تم تسليمها إلى منطقة نزاع نشطة رغم العقوبات الدولية.
زر الذهاب إلى الأعلى