ليست الانتخابات القادمة استحقاقا انتخابيّا عاديّا مثل استحقاقات عشريّة الخراب تلك الاستحقاقات التي تكرّرت بنفس الطريقة المبتذلة و نفس الميكانيزمات : مال سياسي لتزييف الارادات و إعلام مأجور و ماكينات حزبيّة منتشرة في كامل الجهاز الإداري تعبث بمصير البلاد .
اليوم من خلال انتخاب أعضاء المجالس المحليّة و الجهوية و بالتقسيم الجديد للبلاد (أقاليم) تضع البلاد موطأ قدم في الديمقراطيّة التشاركية و الحكم المحلّي وهي الصيغة الأكثر تحديثا للديمقراطية المباشرة بعد ظهور عجز و قصور الديمقراطية التمثيلية التي ارتبطت بالمبكانيزمات المشبوهة التي كنّا قد تحدّنا عنها.
مرّت تونس من مرحلة المركزية إلى اللّامركزية الترابية و الفنيّة و كلّ هذا النظام السياسي و الإداري لم ينجح في مقرطة القرار و تحقيق التنمية و اليوم نتّجه نحو ثورة مواطنيّة بأتّم معنى الكلمة تسمح للمواطن لا فقط بالحقوق الشكلية بل تشركه في القرارات التي تتّخذ في مستوى محلّي و هذا هوّ العمق الحقيقي للديمقراطية التشاركيًة.
إنّ هذا النظام الانتخابي الجديد سيسهّل على المواطنين انتخاب ممثّلين و متابعة أدائهم عن قرب و هذا البناء الهرمي المترابط سيبطل تدخًل النافذين في القرار و يعقّد الأمور على شبكات الفساد و خبراء المحاصصة الحزبية و من ورائهم من لوبيات المال و الأعمال حيث كان يكفي الارتباط ببعض النوّاب للتحكّم في جهة بأكملها أمّ اليوم فقد اتّجهنا نحو مجلسين بمهام مختلفة تتوزًع فيها السلطة و القرار بشكل أفقي لا يمكن تفكيكه بطرق الاختراق القديمة و انتهت المحاصصة الحزبية لتوزيع النفوذ و غنيمة السّلطة.
باقتراب موعد الانتخابات ستتعالى الأصوات التي تشكّك في المسار و يكثر الخبراء و فقهاء القانون الدستوري لضرب هذا المسار و ترذيله و زرع الشكوك في المزاج العام للتخفيض في نسبة المشاركة و إفراغ مسار 25 جويلية من محتواه و لذلك مان لزاما علينا توضيح هذه المسألة للتونسيين.
إنّ أكثر الأنظمة استقرارا في العالم اليوم هي تلك التي تعتمد الديمقراطية المباشرة و ذلك لنجاعتها و شفافيتها في جهة و للتغيرات الحاصلة من خلال الثورة المعلوماتية التي قضت على الماكينات الحزبية التي تعيش على التعتيم و إخفاء المعلوماتية فضلا عن البيرقراطية و ثقل الجهاز الاداري المرتبطين بالديمقراطية التمثيلية .
إنّ فلسفة تشريك المواطن في القرار ستحدث ثورة حتّى في مستوى العقليّات و الإحساس بالانتماء و بالتالي سيتمّ إعادة الاعتبار لمفهوم السيادة الوطنية كمفهوم محوري بنيت عليه الدّولة الحديثة و بالتالي سيحدث جدارا عازلا بالمعنى الإيجابي بين التونسيين الحقيقيين و وكلاء الدول الكبرى و من لفّ لفّهم من المرتزقة و الخونة و هذا هوّ السبب الخفّي للمعارضة الشديدة التي يبدونها تجاه الحكم المحلّي.
تعرًض التونسيّون الصًادقون لكلّ أنماط القهر الاجتماعي و السياسي من قبل عصابات منتشرة في الجهاز الاداري و النسيج الاقتصادي …
اليوم و بعد نجاح مسار 25 جويلية يدقّ أوًل المسامير في نعش هؤلاء و تمكّنت تونس بقيادة الرئيس سعيّد من استعادة نفسها و قواها و لم يبق الكثير أمام التونسيين للانطلاق في بناء دولتهم الوطنيّة وفاءا لدماء من ضحّوا من أجلها و للتأكّد من انحياز دولة الرئيس سعيّد للضعفاء و المسحوقين و دفاعه عن الحقّ و الأرض و العرض لكم في موقف تونس من الحرب الدائرة في فلسطين خير دليل.
سليم العڤربي – جمعية موطن الياسمين
زر الذهاب إلى الأعلى