عاد ملف النفط الليبي لإثارة الجدل مجددا حيث تحول من نعمة إلى نقمة وأصبح سلاحاً بأيدي السياسيين وذوي المناصب في البلاد لتحقيق مكاسب شخصية وتنفيذ أجندات الدول المستفيدة وبصورة كبيرة من حالة الإنقسام السياسي والفوضى الأمنية وهو ما مكنهم من تحقيق أجنداتهم ونهب ثروات الشعب الليبي من غاز ونفط. ويؤكد مراقبون ان الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول الغربية الساعية للسيطرة على قطاع النفط الليبي، فمنذ عام 2003 بدأت واشنطن والدول الغربية في سرقة ونهب ثروات المنطقة العربية مع احتلال العراق، ومن ثم خلال الأزمة السورية التي إندلعت في 2011، واليوم تعمل واشنطن للسيطرة على حقول النفط الليبي، وذلك عبر سيطرتها على مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي.
وفي منتصف العام الماضي جاء المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند بمقترح غريب أثار جدلاً واسعاً في الداخل الليبي، حيث طالب المؤسسة الوطنية للنفط والأطراف الليبية وضع آلية واضحة وشفافة للتصرف في إيرادات النفط، ولضمان التوزيع العادل للإيرادات ستكون واشنطن هي الوصي على عائدات النفط عبر تحويلها إلى حسابات المؤسسة الوطنية في البنوك الأمريكية.
ووفقاً لموقع “أفريكا إنتلجنس” فإن الولايات المتحدة تريد تشكيل لجنة إشراف تقوم بتشغيلها شركة تدقيق خاصة، لتحويل الدخل من المؤسسة الوطنية للنفط إلى مؤسسات الدولة الليبية، أي بمعنى أخر هنالك محاولات لخصخصة قطاع النفط الليبي، لكن الموقع لم يكشف عن تفاصيل هذا المخطط. وفي هذا السياق أفادة الأنباء في الأونة الأخيرة أن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، وقع في مارس العام الماضي، إتفاقية مع شركة Mercury Public Affairs والتي مقرها نيويورك.
وبحسب المصدر فإن بن قدارة أراد من خلال هذا الاتفاق الترويج للمؤسسة الوطنية للنفط وجلب الاستثمارات الأمريكية لها، كمدخل لخصصتها لاحقاً. وبحسب بعض الخبراء تعتبر شركة Mercury Public Affairs واحدة من اللاعبين الرئيسيين في سوق الضغط في الولايات المتحدة، ولها علاقات وثيقة مع الكونجرس والحكومة الأمريكية، وخاصة بما يتعلق بقطاع الطاقة وتوقيعها لإتفاقيات في مجال الطاقة مع ليبيا ليست الأولى من نوعها، ففي وقتٍ سابق وقعت الشركة عدد من الإتفاقيات مع كل من أثيوبيا والسنغال.
هذه الأنباء تُفسر العديد من الأحداث التي جرت منذ توقيع هذه الصفقة وحتى يومنا هذا، ففي أوت العام الماضي أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط على موقعها الرسمي أنها إستلمت إخطاراً رسمياً من شركتي “إيني” الإيطالية وبريتش بتروليوم البريطانية بشأن رفع حالة القوة القاهرة واستئناف أنشطة الاستكشاف والالتزامات التعاقدية في منطقتي حوض غدامس (A-B) والقطعة البحرية C. الشركتين البريطانية والإيطالية لم تكونا الوحيدتين، حيث إنضمتا لهما شركتي “إكسون موبيل” و”شيفرون” الأمريكية و “توتال” الفرنسية، لكن ليس للعمل في القطاع، بل للتحصل على نسبة من المؤسسة الوطنية للنفط نفسها والشروع في تنفيذ مشروع الخصخصة المتفق عليه.
وحول مساعي خصخصة قطاع النفط الليبي ، أكد مدير مركز الأمة للدراسات، محمد الأسمر بأنه من المؤكد أن تثير الخصخصة شهوة الشركات الأوروبية الناشطة بقطاع النفط، لسبب مهم هو أن النفط الليبي سيجعلها قادرة على تعويض النقص في موارد الطاقة في أسواق الدول الأوروبية جميعاً. وأكد الأسمر بأنه إذا تمت خصخصة المؤسسة الوطنية للنفط بالكامل، فقد يصل حجم إنتاج النفط في ليبيا إلى 3 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2030. وسيتيح هذا الحجم تحقيق إيرادات بمليارات الدولارات للشركات النفطية. وفي السياق نفسه قال الخبير الإقتصادي، محمد حسنين أنه وفقًا لتقديرات ستاندرد آند بورز جلوبال، إذا تمت خصخصة شركات النفط الوطنية بالكامل، فقد يصل حجم إنتاج النفط في ليبيا إلى 3 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030، وإذا وصلت الاستثمارات إلى قطاع النفط. وسيتيح هذا الحجم تحقيق إيرادات بمليارات الدولارات، مما يخلق ظروفًا جديدة لسوق الهيدروكربونات في المنطقة. وفي الختام، قال الخبير في الشأن الليبي، محمد خلدون، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشتى الطرق لنهب ثروات الشعب الليبي من الذهب الأسود وبعدما فشلت في ذلك عن طريق السيطرة على عائدات النفط، قررت العمل على خصخصة القطاع بالكامل وهو ما يمكن وصف بالسرقة العلنية للشعب الليبي وبموافقة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.