تُعيد كلمات شارة كرتون “عهد الأصدقاء” لأذهاننا تلك اللحظات البريئة من الطفولة، حينما بدى العالم في أعيننا بسيطا ومليئاً بالخيال: “وتهدينا الحياة أضواء في آخر النفق، تدعونا كي ننسى ألمًا عشناه”.
وفي تجسيد حي لهذه الكلمات، أوفى طارق العربي طرقان رفقة أبنائه الثلاثة، ديمة محمد وتالة، بوعد الصداقة مع أبنائه وبناته من الجماهير التونسية، في إطار جولة موسيقية تحت عنوان “حفل الجيل الذهبي”، والتي شملت خمس ولايات تونسية، من قابس إلى صفاقس، مروراً بقرطاج، وصولا لجمال، وختامها في سوسة. بتنظيم محكم من الفريق المشرف Walakar Events، أضاءت عائلة طرقان مسارح الولايات المذكورة أعلاه عبر إحياء ذكريات جيل التسعينات، فاتحة في الآن ذاته أبوابًا جديدة للأجيال الحالية، لتعيش عبق الماضي وبعضا من نوستالجيا الزمن الجميل.
كل محطة من محطات الجولة كانت بمثابة نافذة جديدة تُضيء دروب الذكريات. حيث اجتمعت الجماهير من مختلف الأعمار، لتتواجد العائلات بصغارها وكبارها لاستعادة روح الطفولة التي ما زالت نابضة في القلوب. مما أضفى على العروض الخمس تألقا عبر تأدية 30 شارة كرتون، واستمرت الحفلات خلاله لساعتين في كل محطة، بمشاركة أوركسترا تونس وبقيادة المايسترو فادي بن عثمان في حفلتي صفاقس بتاريخ 28 أوت وقرطاج بتاريخ 31 من نفس الشهر.
منذ افتتاحية الجولة في ولاية قابس، نجحت عائلة طرقان في إعادة الجمهور إلى سنوات الطفولة، في أجواء مفعمة بالشوق لسماع شارات كرتون منها “كونان”، “سمبا”، “كابتن ماجد”، “باتمان”، “سابق ولاحق” وأبطال الديجيتال”، التي غرست في نفوسهم قيم الخير والشجاعة منذ الصغر. ومع كل نغمة، تجلت الابتسامات والذكريات في كل زاوية من زوايا المسارح، حيث اجتمع الكبار الذين تربوا على تلك الألحان مع الصغار الذين جاءوا لاكتشاف عالم لم يعيشوا مثله من قبل، لكنهم وجدوا فيه دفء الذكريات والأيام الخوالي البسيطة.
سحر جولة الجيل الذهبي استمر في عروض صفاقس وجمال وسوسة، حيث تزايدت الحماسة بين الجماهير الوافدة. أين امتزج تفاعل الناس بإيقاع الأغاني التي شكلت جزءًا من طفولتهم، ليشاركوا ترديد الكلمات وكأنها جزء لا يتجزأ من شخصية الطفل الحاملين لها. أضفت الأجواء الحية والحب طابعًا فريدًا على كل عرض، مما جعل التجربة مميزة ومؤثرة.
ولعل سهرة قرطاج كانت المحطة الأكثر تألقًا وذروة التفاعل في الجولة. على ركح هذا المسرح العريق، استعرض طارق وأبناؤه سحر الأغاني الكرتونية في أبهى صوره، أين جدد اللقاء مع جمهور غفير من العائلات والشباب والأطفال.
ووسط هذا الحفل، خطفت الأضواء أغنية “هزيم الرعد”، والتي وقع إنتاجها سنة 2001 تخليدا للانتفاضة الفلسطينية الثانية. وهو ما لم تغفل عنه جولة الجيل الذهبي، التركيز على تلك الجوانب الإنسانية العميقة. ليأتي دور تالة طرقان عبر رسالة حب وتضامن لأبناء غزة، في أدائها لأغنية “ليلة بس”. لتتزين مدرجات المسرح الأثري بقرطاج بالأعلام الفلسطينية والكوفية، وخلق اختلاط في المشاعر، بين الحزن وفخر الانتماء للقضية. وهو ما أكدت عليه هذه اللحظة، أن القضية الفلسطينية ستظل في قلب الأجيال، ويبقى الفن وسيلة قوية للتعبير والتأكيد على القضايا الإنسانية.
في ختام الجولة، كان واضحًا أن طارق العربي طرقان لم يُحيِ الطفولة لجيل التسعينات فحسب، بل منح الأجيال الحالية فرصة لاكتشاف طفولة جديدة مليئة بالقيم والأخلاق. كانت هذه الجولة دعوة للجمهور لإعادة اكتشاف أنفسهم من خلال الأغاني التي زرعت فيهم أحلاماً لم تنطفئ، ولا تزال تنبض بالحياة في كل نغمة ولحن.