Centered Iframe
أخبار وطنية

الحرائق في تونس: تحديات وآفاق

      في السنوات الأخيرة، أصبحت حرائق الغابات في تونس موضوعًا يحظى باهتمام كبير نظرًا لتزايد شدة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على البيئة والمجتمعات المحلية. تشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2030، قد تفقد تونس حوالي 180,000 هكتار من غاباتها، وهو ما يمثل 17% من المساحة الغابية في البلاد. يعود السبب في ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة ونقص هطول الأمطار، مما يزيد من احتمالات حدوث حرائق واسعة النطاق. تشير البيانات إلى أن بداية العام الحالي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة وجفافًا شديدًا في العديد من المناطق، مما يثير المخاوف بشأن احتمال اندلاع حرائق ضخمة خلال صيف 2024.

تزايد الحرائق: أرقام وحقائق
تقول شيراز بلحاج خضر، أخصائية الجغرافيا، إن عدد الحرائق والمساحات المتضررة منها شهدت زيادة ملحوظة خلال العقد الماضي. قبل عام 2010، كان عدد الحرائق المسجلة سنويًا أقل من 215 حريقًا. لكن بحلول عام 2022، ارتفع هذا العدد إلى 549 حريقًا، مما يمثل زيادة بنسبة تفوق 150%. كما سجلت سنة 2021 رقمًا قياسيًا في المساحات المحترقة، حيث بلغت 25,808 هكتار. هذه الأرقام تعكس التحديات المتزايدة التي تواجهها تونس في مجال حماية الغابات.

تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد تتيح الآن إمكانية مراقبة الحرائق بدقة أكبر، ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول دقة البيانات المتاحة. بلحاج خضر تشير إلى أن 70% من المساحات المحترقة منذ عام 2000 لم يتم تقديرها بشكل دقيق، ويعود ذلك جزئيًا إلى التحقيقات المتعجلة أو إلى رغبة بعض الجهات في التقليل من حجم الأضرار. مثل هذه البيانات غير الدقيقة تعقد جهود التصدي لهذه الظاهرة وتعطي انطباعًا خاطئًا عن الوضع الفعلي.

المناطق الأكثر تأثراً بالحرائق
تشير الأنماط الرئيسية إلى أن الشمال الغربي من تونس هو الأكثر تضرراً من الحرائق، حيث تغطي الغابات أكثر من 20% من بعض الولايات هناك. من الأنواع الأكثر اشتعالًا في المنطقة هو الصنوبر الحلبي، الذي يمثل جزءًا كبيرًا من الغطاء النباتي. هذه الأنواع، رغم جمالها، تحمل في طياتها خطرًا كبيرًا عندما يتعلق الأمر بالحرائق، حيث تعتبر من الأنواع القابلة للاشتعال بشكل خاص.

في عام 2023، شهدت معتمدتي الكريب في ولاية سليانة وملولة في ولاية جندوبة حرائق أدت إلى تدمير حوالي 1200 هكتار. بلحاج خضر تصف حريق ملولة بأنه كارثي، حيث أثر بشكل كبير على المساكن والمزارع المحلية. يحدث هذا في وقت تعاني فيه البلاد من نقص في الموارد اللازمة لمكافحة الحرائق، مما يزيد من صعوبة الوضع.

تأثير التغيرات المناخية
التغير المناخي يعد أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على زيادة حرائق الغابات في تونس. التوقعات تشير إلى أن منطقة البحر الأبيض المتوسط قد تصبح نقطة ساخنة للتغير المناخي، حيث من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بشكل ملحوظ. في المقابل، ستنخفض كمية الأمطار بمعدل يتراوح بين 10% و60%. هذا الانخفاض الحاد في هطول الأمطار، جنبًا إلى جنب مع زيادة فترات الجفاف، يشكل تهديدًا كبيرًا على الغطاء النباتي ويزيد من احتمالية اندلاع الحرائق.

تظهر الأبحاث أن موسم الحرائق في تونس قد زاد من شهرين إلى ثلاثة أشهر في السنوات الأخيرة، مع زيادة تواتر الحرائق الكبرى. بلحاج خضر تحذر من أن المشكلة ليست في الغابات نفسها، بل في جفافها، مما يجعلها عرضة للاشتعال.

دور الإنسان في زيادة الحرائق
إبراهيم الجزيري، جغرافي وأستاذ باحث، يؤكد أن الغالبية العظمى من الحرائق ناتجة عن الأنشطة البشرية، سواء كانت عرضية أو متعمدة. تشير الدراسات إلى أن إزالة الغطاء النباتي، التي تزداد شيوعاً في فترات الأزمات، تلعب دوراً مهماً في زيادة خطر الحرائق. يشير الجزيري إلى أن إشعال الحرائق يعد من أبسط الطرق وأكثرها فعالية لإخلاء الأراضي الزراعية وتوسيعها.

جهود مكافحة الحرائق
تدخل أعوان الغابات بشكل سريع عند اندلاع الحرائق، ولكن نقص الموارد البشرية والمادية يمثل تحدياً كبيراً. على الرغم من التعاون الوثيق بين الإدارة العامة للغابات والديوان الوطني للحماية المدنية، إلا أن نقص الطائرات المخصصة لإطفاء الحرائق يجعل التدخل في المناطق النائية أكثر صعوبة. في السنوات الأخيرة، طلبت تونس المساعدة من دول أخرى لمواجهة الحرائق المتزايدة. في عام 2022، طلبت الرئاسة التونسية المساعدة من الجزائر للتعامل مع الحرائق العديدة المندلعة في الضواحي الجنوبية لتونس العاصمة.

رغم ذلك، تبذل الهيئات الحكومية جهوداً لتحسين الاستجابة للحرائق، بما في ذلك تدريب المتطوعين وتطوير برامج لتنظيف المسارات. يجب أن يكون هناك استثمار كبير في البنية التحتية والموارد لضمان الاستجابة الفعالة للحرائق.

إعادة التشجير والتحديات
فقدت تونس منذ عام 2016 حوالي 56,000 هكتار من الغابات، مع الحاجة إلى إعادة تشجير هذه المساحات. الإدارة العامة للغابات تقدر أن حوالي 16,000 هكتار يمكن مساعدتها على التجدّد، ولكن الجهود المبذولة لا تزال غير كافية لتعويض المساحات المفقودة. إعادة التشجير تتطلب استثمارًا كبيرًا، ولكنه يظل غير متاح في ظل الظروف الحالية.

إبراهيم الجزيري يشير إلى أن السبب وراء انخفاض معدل نجاح إعادة التشجير في تونس يعود إلى اختيار الأنواع. يتم إهمال الأنواع المحلية المستوطنة لصالح الأنواع الغازية، مما يزيد من قابلية الغابات للاشتعال. الإدارة العامة للغابات بدأت مؤخرًا في التركيز على تنمية الغابات المختلطة، التي تتكون من مجموعة متنوعة من الأصناف المحلية، بهدف تقليل خطر حرائق الغابات وضمان تنوع منتجاتها.

المستقبل: آفاق وتحديات
تتطلب مواجهة هذه التحديات استراتيجيات شاملة تشمل التوعية العامة وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي. يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيات برامج تعليمية تستهدف المزارعين والمجتمعات المحلية لزيادة الوعي بمخاطر الحرائق وطرق التخفيف منها.

من الضروري أيضاً تحسين البنية التحتية لمكافحة الحرائق وتوفير المعدات اللازمة، بما في ذلك طائرات إطفاء الحرائق. كما يجب تعزيز التعاون مع الدول المجاورة للحصول على الدعم الفني واللوجستي.

ختاماً، تمثل حرائق الغابات في تونس تحدياً كبيراً يتطلب جهودًا متكاملة من جميع الأطراف المعنية. من خلال تحسين إدارة الغابات وتعزيز الوعي البيئي، يمكن تقليل خطر الحرائق وضمان حماية الغابات للأجيال القادمة.

وائل نهيدي

Centered Iframe

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى