مع اختتام بينالي جوّ تونس 2024، حان وقت استحضار اللحظات المميزة لهذا الحدث الفني الفريد.
تم تنظيم هذا البينالي بالتعاون مع المعهد الفرنسي بتونس والعديد من الشركاء الرئيسيين، وقد رسّخ مكانته كمنصّة رئيسية تجمع بين الفن والفكر. حيث شارك في دورته السابعة أكثر من 160 فنانا من خلال برنامج تضمن تسعة معارض وتسعة ملتقيات وورشات وتسعة عروض حية، كثيفة المحتوى واسعة الطموح.
وبالرغم من الظروف الجيوسياسية المتوترة، استطاع جو تونس ان ينجح في مهمته المُتمثلة في بناء جسور بين الفنون والسياسة والالتزام المدني.
توطيد الشراكات والتعاون
يسعى جو باستمرار إلى البناء الجماعي وتطوير شراكات مع مؤسسات تهدف إلى التعاون مع الفنانين والمبدعين التونسيين. هذا التوجه يعزز المشهد الثقافي ويفتح آفاقًا جديدة للإبداع والحوار. من خلال العمل المشترك، نُبرز إبداعات التونسيين ونُثري المجتمع الفني العالمي.
موضوع الساعة – الفنون، المقاومات،
وإعادة بناء المستقبل
ركّزت النسخة السابعة من بينالي جوّ تونس على قوّة الفنّ في مواجهة الأزمات الراهنة من خلال إبراز دور مجتمعات الجنوب العالمي وقدرتها على تخيّل وصياغة مستقبل جماعي وعلى مقارعة الروايات السائدة.
أقيمت المعارض في أماكن مميزة، وقدّمت تجارب فنية غامرة من خلال التصوير والفيديو والموسيقى والرقص. جمعت المسارات الإبداعية التي استعرضها الحدث بين التضامن العابر للحدود والالتزامات الفردية والجماعية.
ومن خلال برامجه المتنوعة، كرّم البينالي بصورة متميزة المقاومة الملحمية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة يشنها الاحتلال الإسرائيلي.
زخم فكري ابداعي
يبدو أن الماضي قد ضاع بالنسبة للبعض، والحاضر، الذي من المفترض أن يكون ملكًا لنا، يفلت منا، وتطغى عليه الحرب، ويطغى عليه الموتى الذين لا يعدون، وتطغى عليه الأزمة المناخية.
كيف يمكننا استعادة هذا الحاضر دون التضحية بالمستقبل؟ في هذا السياق، تم تنظيم هذه الندوة التي ركزت على التجديد، بهدف تصميم مستقبلات قابلة للعيش، ما بعد العنصرية، ما بعد الإمبريالية، ما بعد البطريركي وما بعد الاستعمارية، تم تخيلها كعمل جماعي وتكافلي.
البقاء إنسانًا هو أمر أساسي لإعادة بناء المستقبل، من خلال التفكير النقدي، والكتب، والتصوير الفوتوغرافي، والأرشيفات، والإبداع.
قدمت الجمعية العامة للمستقبل طريقًا تحويليًا من أجل مستقبل عادل وشامل، مع التركيز على بدائل لضمان ديمقراطية عادلة.
كما حثت هذه الندوة على التفكير في الزمنية، والزمنيات المتعددة، وفضاء المستقبل، داعية إلى العمل الجماعي من أجل تخيل أماكن ومساحات تفكير بديلة. يمكن للتعليم البديل والعمل الشبكي أن يساهم في بناء مستقبل مناهض للعنصرية. إن خلق المستقبل يتطلب التغلب على التوترات بين التفاؤل، والمقاومة، وديكولونيالية الخيال، والشك في الغرب، مع دمج قضية الجنس والأقليات.
تصبح الأرشيفات أدوات لتوجيه نضالاتنا. تم استكشاف الفراغات المعمارية والافتراضية لكينونتنا المتحولة من خلال تجربة رقمية تفاعلية حول مشروع
« Traces of Ecstasy » كما تم الاحتفال بالصمود الفلسطيني، مما يبرز أنه لا يمكن لأي مستقبل أن يتحقق دون تحرير فلسطين.
“إذا كان لا بد أن أموت، فلا بد أن تعيش أنت، لتروي حكايتي”
ـ رفعت العرعير
مختبر جو لابْ – أرضية ملائمة لولادة فنّاني المستقبل
جو لاب هو المشروع المبتكر الذي أطلقته مؤسسة كمال الأزعر والمعهد الفرنسي بتونس بدعم من صندوق فريق فرنسا (Fonds Equipe France). يهدف هذا المشروع إلى تعزيز الإبداع والإدماج المهني لطلاب مدارس الفنون الجميلة والعمارة والسينما والفنون متعددة الوسائط (الملتيميديا).
يركز مشروع “جو لاب” من خلال برنامج متكامل من الأنشطة والفعاليات على ميادين التصوير الفوتوغرافي وفنون الفيديو، ويعزز الروابط بين الجامعة التونسية والمحترفين في مجال الفنون البصرية عموما.
يعتمد “جو لاب” على محورين أساسيين:
– “مسابقة جو لاب للإبداع في التصوير الفوتوغرافي” التي تم إطلاقها في مارس 2024 وأسفرت عن معرض للصور الفوتوغرافية من إنجاز الطلبة وبتأطير من أساتذتهم تمت برمجته خلال بينالي “جوْ تونس”.
– “جامعة جو لاب” وهي عبارة عن برنامج يتضمن سلسلة من ورش العمل التي تقدم تدريبا تطبيقيا لفائدة 300 طالبا في مجالات مختلفة كالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والوسائط السمعية البصرية.
تم تنظيم دورتين في تونس العاصمة خلال الصائفة الماضية ضمّت 90 طالبا وستُعقد دورات أخرى في سوسة والقصرين وصفاقس ستكون مفتوحة للطلبة القادمين من نابل والمهدية وقابس والقيروان وسيدي بوزيد وقفصة وسليانة.
عاش 160 طالباً, منحدرين من عديد المناطق بالبلاد التونسية, تجربة غير مسبوقة في مجال الفن المعاصر لمدة 4 أيام من خلال مواكبة افتتاح المعارض وحضور عدد من العروض الموسيقية وكذلك الندوات والنقاشات التي تخلّلت الأسبوع الأول من بينالي جو تونس.
يمكن اعتبار “جو لاب” تجربة نموذجيّة تجمع بين الابداع الفني والتكوين من أجل بروز جيل جديد من المبدعين ومستقبل واعد للساحة الفنّيّة التونسيّة.
الاستثمار في الثقافة – الاستثمار في المستقبل
برز بينالي جو تونس كمحرك قوي لتنمية الاقتصاد المحلي بشكل عام والاقتصاد الإبداعي بشكل خاص، إذ أفرز تأثيرات إيجابية كبيرة سواء أثناء فعالياته أو خلال فترة الستة أشهر من التحضيرات.
ساهم تدفق أكثر من 50.000 زائرا، سواء من داخل البلاد أو خارجها، في تنشيط قطاع الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية المحلية، مما ساعد في توليد إيرادات إضافية لهؤلاء الفاعلين الرئيسيين في الاقتصاد.
هذا وقد اكتسح جو تونس 18 فضاء للفنون والعروض الحية مما أدى إلى خلق بيئة ثقافية فنية تتميز بحركية ملفتة وساهم في إنعاش النشاط الاقتصادي المرتبط بالثقافة والإبداع، كما أتاح البينالي خلق العديد من فرص العمل، وخاصة في قطاعات الصناعات الإبداعية والثقافية والخدمات، حيث تم التعاون مع ما يزيد عن 100 حرفي وتقني وعامل في الحقب الثقافي وأكثر من 50 شركة صغرى ومتوسطة في مختلف القطاعات.
مع ضخ أكثر من 1.6 مليون دينار مباشرة في الاقتصاد المحلي، لم يقم بينالي جو تونس بتحفيز هذا الاقتصاد على المدى القصير فحسب، بل وضع أسسا قوية كذلك لتطوّر ثقافيّ واقتصاديّ مستدام.
80% من الأموال التي تم جمعها تأتي أساسا من التمويل الذاتي من طرف مؤسسة كمال الأزعر ومن دعم عدد من الرّاعين التونسيين للثقافة، بينما تأتي النسبة المتبقية والمتمثلة في 20% من تمويلات أجنبية.