Centered Iframe
أخبار وطنية

بورڤيبة في عيون عزيز بوستة مقتطف من كتاب رحلة في قلب العواصف للمناضل عزيًز بوستة

     ما شرع الحبيب بورڤيبة في تأسيس أركان الدّولة الوطنيّة وتمّ اختيار قادة تاريخيين لبناء المؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة حصلت نقلة نوعيّة وأصبحت السيادة الوطنيّة الكاملة حقيقة موضوعيّة بشكل جعل معركة بنزرت الحاسمة والتاريخية حتميّة موضوعيّة للمستعمر وهو ما تمّ بالفعل من خلال الجرائم التي ارتكبها المستعمر في حقّ المدنيين وقوّاتنا المسلّحة ولكنّنا نجحنا في هذه المعركة على كلّ المستويات حيث نجحت القيادة السياسة في فضح ممارسات المستعمر وكسب تعاطف الدّولي (زيارة هامر شولد لتونس ) أمّا على الأرض فقد نجحنا في إدارة المعركة ومنعنا المستعمر من المساس برمزيّة الدّولة من ذلك أنّني ساعدت والي بنزرت محمد الأمين ومعه محجوب بن علي اللذان أرادت قوّات المستعمر اعتقالهما لتشكيك المواطنين في قدرة الدّولة على حماية كوادرها كما نجحت في إخفاء الأعوان العاملين معي بعد أن بدأ المستعمر في القصف العشوائي والعمليات الانتقاميّة لإذلالنا مواطنين وأجهزة وأخفيت أعدادا كبيرة من سرية الدفاع الجوي والتي كبدت خسائر كبرى للعدو في “عين كبير”.
ومن الطرائف التي اذكرها أني قمت بتحية الوالي وكان يرتدي حذاء رياضي وسروال اصفر اللون “كاكي” وحينما قمن بتحيته قال لي : “لا نعرفك لا تعرفني” وأخرجته من منزل عبد الرحمان عن طريق البحر إلى جبل الكشابطة على طريق تونس وكانت طائرات ب26 تقصف على طول الطريق المؤدية من بنزرت إلى تونس العاصمة.
هذه المعركة التي حصلت فيها على وسام الدمّ ساهمت في توطيد الوحدة داخل الأجهزة الأمنية والعسكريّة وكان لها الأثر الإيجابي وعمّقت لدينا الإحساس بالانتماء والاستعداد للتضحية بأرواحنا من أجل السيادة الوطنيّة.
في تقديري لقد كان الحبيب بورڤيبة قائدا تاريخيا بكلّ المقاييس ومن خلال الوظيفة التي شغلتها في المؤسّسة الأمنية والتي سمحت لي بالاقتراب من المجاهد الأكبر وبالتالي تكوين فكرة دقيقة عن شخصه وشخصيّته الأساسية والتي يمكن اختزال نقاط القوّة فيها في ثلاث نقاط:

❖ الناحية الاجتماعيّة
لقد كان بورڤيبة متميّزا من الناحية التواصليّة حيث يمكنه التحدّث مع كلً النّاس مهما اختلفت انتماءاتهم الطبقيّة وجهاتهم ومستوياتهم ويعلم مسبقا أوضاعهم ومطالبهم وفي رأيي يعود ذلك إلى صدقه وحبّه للتونسيين ورغيته الجامحة في بناء نسيج مجتمعي متماسك أو ما كان يسمّيه بورڤيبة ” الوحدة الوطنيّة الصمّاء” وقد كان ذكيّا في محاربة العروشية حيث كان يجتمع في القصر بوجهاء الجهات وذلك لربطهم بالدّولة الوطنيّة ووضعهم تحت إمرة السلطة السياسية بعد أن كان المستعمر يعمل على تذكية العروشية والجهويات لتسهل السيطرة على البلد بأكمله.
آخر ما يذكر في المسألة الاجتماعيّة وهو أنّ نجاح بورڤيبة يعود إلى قدرته أن يكون عنصر التجميع لكلّ الفئات والجهات وكانت تلك خصلته التي جعلت منه زعيما تاريخيّا إلى اليوم.

❖ الناحية السياسية
امتاز الحبيب بورڤيبة بالواقعيّة والالتصاق بهموم النًاس وبقضاياهم الحقيقية وفي هذا اختلف عن غيره من قادة المنطقة الذين كانوا ينوّمون شعوبهم بالشعارات الكبرى وبالشعبويّة فقد كان بورڤيبة مثل شعاع الليزر الموجّه للحقوق الأساسية : الصحّة والشغل والتعليم والسكن وهو ما جعل تونس إلى اليوم مصنعا للكفاءات من الأطبًاء والمهندسين وأصبحت قوّة تونس في الرأسمال البشري أو كما كان يسمّيه بورڤيبة “المادّة الشخماء”.
يجمع المحلّلين أنّ بورڤيبة أبدع في البراڤماتية من خلال إتباع المرحليّة للوصول للأهداف السياسية والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى ونكتفي فقط بالتذكير بخطاب أريحا.

❖ القدرة على القيادة و البناء
كان بورڤيبة رجلا استثنائيا في اختيار القادة وكان مستمعا جيّدا وخلافا لما يتمً الترويج له فقد كان يستمع للجميع ولمختلف الآراء ويقرّر وهو ما جعله قائدا استثنائيا.
فيما يتعلّق بالمؤسّسة الأمنية التي عملت فيها لسنوات فإنّ بورڤيبة هوّ الذي زرع الحسّ الوطني داخل هذا الجهاز وساهم الضباط القادة والإطارات السّامون ممّن عملت معهم في تكريس هذه العقيدة الوطنيّة.
فيما يتعلّق بسياسة الأمن القومي فقد كان الأجهزة الثلاث الاستعلامات وأمن الدّولة والمصالح المختصّة على ارتباط مباشر بالرئيس بورقيبة بشكل يجعل اختراق الجهاز  مستحيلا ولذلك بقي هذا الجهاز متماسكا وناجعا طوال فترة حكم بورڤيبة.
وفيما يتعلّق بالمسألة الاقتصاديّة فإنّ تونس عاشت ثلاث مراحل، مرحلة ما قبل التعاضد ومرحلة التعاضد ومرحلة ما بعد التعاضد
المرحلة الأولى كانت مرحلة عصيبة ولكنّ تونس نجحت في بناء النواتات الأولى للاقتصاد الوطني ونجحنا في رضع سياسة اقتصادية ترتكز على القطاع الأوّل : القطاع الفلاحي وكان خيارا استراتيجيا صائبا ساهم في تجميع الحدّ الأدنى من رأس المال.

Centered Iframe

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى