في قلب الجنوب التونسي، وتحديدًا بمنطقة فطناسة من معتمدية قبلي الشمالية، تستعد الصحراء لاستقبال حدث ثقافي استثنائي يتمثل في “الدورة الخامسة من “المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء”، وذلك من 30 أفريل إلى 4 ماي 2025.
هذا المهرجان، الذي تأسس ليعيد تعريف العلاقة بين الفن والمكان، يشكّل مناسبة لإبراز قدرة الثقافة على اختراق العزلة الجغرافية وتحويل الطبيعة القاسية إلى فضاء إبداعي وتواصلي بامتياز.
من رمال الصحراء يولد المسرح يتميّز المهرجان بطابعه الفريد، حيث تتحوّل الصحراء إلى فضاء أداء حي، يعيد تشكيل العلاقة بين الممثلين والجمهور، ويُدخل عناصر الطبيعة في بنية العرض المسرحي ذاتها.
الافتتاح المنتظر سيكون كرنفالًا صحراويًا يجمع بين الفنون الشعبية المحلية وأداءات مسرحية عالمية، في مشهد يُجسّد تلاقحًا حضاريًا حيًّا.
وكما يوضح المدير الفني للمهرجان، حافظ خليفة: “نحن لا نقدّم عروضًا في الصحراء فقط، بل نصنع مسرحًا من روح الصحراء نفسها، بتضاريسها، وصمتها، وأفقها المفتوح.” معطيات رقمية تعكس البعد الدولي تعكس دورة هذا العام حجم التوسّع والاعتراف الدولي الذي بات يحظى به المهرجان.
المشاركة تشمل:
أكثر من 30 دولة، من بينها نيوزيلندا وكرواتيا لأول مرة
23 عرضًا مسرحيًا من مختلف المدارس والتيارات المسرحية
تنظيم 7 ورشات تكوينية يشرف عليها مختصون وخبراء من أربع قارات
إقامة تمتد لخمسة أيام، تتنوع خلالها العروض بين التعبيري والتجريبي والتفاعلي
نحو ربط المسرح بالتنمية المحلية يتجاوز أثر المهرجان مجرّد تقديم العروض الفنية ليبلغ أبعادًا تنموية واضحة. فالمبادرة تسعى إلى خلق ديناميكية اقتصادية وثقافية بالمنطقة، من خلال:
عادة تأهيل مركز الفنون الصحراوية كمؤسسة دائمة للتكوين والإنتاج
تحريك الدورة الاقتصادية المحلية** عبر إشراك النزل والمطاعم والأسواق
إطلاق منصة رقمية تُوثّق تجربة “مسرح الصحراء” وتتيح أرشفة العروض والتكوينات
كما يمثل المهرجان فرصة لتعريف السياح والمستثمرين بالإمكانات الثقافية والطبيعية التي تزخر بها فطناسة والمناطق المجاورة لها. التحديات البنيوية: سؤال الاستدامة رغم النجاحات المتتالية، ما زالت التظاهرة تواجه إكراهات ميدانية، أبرزها:
غياب بنية تحتية قادرة على استيعاب العدد المتزايد من الضيوف والمشاركين
صعوبات تقنية متصلة بإقامة العروض في فضاءات غير مهيّأة
محدودية الدعم المؤسساتي وضعف الاعتراف الرسمي بالمهرجان كمشروع استراتيجي
هذه الإشكالات تُلقي الضوء على الحاجة إلى رؤية تشاركية مستدامة تجمع بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان ديمومة التظاهرة وتحقيق أثرها الأعمق. دعوة إلى الاستثمار الثقافي في ظل هذا الزخم الفني والاهتمام الدولي، يدعو القائمون على المهرجان إلى اعتبار الحدث فرصة فعلية لإعادة تنشيط المنشآت السياحية المغلقة، وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع ثقافية وسياحية مشتركة. ويطمح المنظمون إلى تحويل فطناسة إلى قطب ثقافي وسياحي مستدام، حيث تتلاقى الثقافة بالاقتصاد، والفن بالتنمية.
حين تصبح الصحراء مسرحًا عالميًا يمثل المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء بفطناسة أكثر من مجرد تظاهرة سنوية؛ إنه مشروع فكري وفني وتنموي متكامل. فالصحراء، التي طالما ارتبطت في المخيال بالعزلة والخشونة، تتحوّل هنا إلى منصة للحوار الإنساني والتعبير الجمالي المشترك. إنها رسالة قوية بأن الثقافة قادرة على أن تكون أداة للتماسك الاجتماعي، ومحركًا للتنمية، وجسرًا لتلاقي الشعوب.