أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صباح اليوم الثلاثاء 24 جوان 2025 بقصر قرطاج، على موكب الاحتفال بالذكرى التاسعة والستين لانبعاث الجيش الوطني، بحضور وزير الدفاع الوطني وأعضاء المجلس الأعلى للجيوش والقيادات العسكرية والإطارات المدنية بالوزارة.
وتوجّه رئيس الجمهورية خلال هذا الموكب بالأمر اليومي التالي:
بسم الله الرحمان الرحيم
والحمد لله رب العالمين قبل أن نلقاه وبعد أن نلقاه
والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين
أيها الضباط وضباط الصف ورجال الجيش،
تِسعٌ وستّونَ سنة تمرّ في هذا اليوم التاريخي على إنبعاث الجيش الوطني، هو انبعاث وليس إنشاءً فتاريخ القوات المسلحة العسكرية التونسية ضارب في أعماق الزمن وتمتزج الاحتفالات بالذكرى، لا فقط بواجب التذكر وبمشاعر الفرحة والسُؤدَد والشموخ، بل بالإرادة المتجددة لمضاعفة روح العزيمة في البذل دون حدود، فكلما تحقق هدف إلّا وتلاهُ مباشرة التفكير في الهدف الذي يليه، وكل ما حصل طارئ لا قدر الله، بدأ التفكير في مواجهته ثم أيضا يبدأ التفكير في مواجهة أي طارئ يمكن أن يقع من جديد وأصحاب الهمم العالية الثابتة لا يقبلون إلّا بالنصر حتى وإن كانت التحديات جسيمةً لا يقبَلُون إلا بالنصر أو الاِستشهاد.
لا يتسع المقام هنا لذكر ملاحم قواتنا المسلحة العسكرية في زمن السلم أو إن اقتضى الواجب الوطني خوض المعارك دفاعا عن حمى هذا الوطن العزيز. فالذكريات كثيرة والملاحم بدورها كثيرة ولا يمكن أن تغيب عن ذهن أي مواطن يعتزّ بانتمائه لهذا الوطن العزيز.
ارتقى شهداء في ساحات المواجهة، وسقَوْا بدمائهم الزكيةِ الطاهرة أرضَ هذا الوطن، تقبّلهم الله تعالى بواسع رحمته وألحقهم بالنبيئين والصديقيّين والشهداء والصالحين وحَسُنَ هؤلاء رفيقا، وأصيب من أصيب وبقي على قيد الحياة، فالدعاء لله بأن يشفي من أصيب ومن مازال يحمل آثار بعض الإصابات، ومن دواعي الإرادة الحديدية التي تكمن في نفس كل جندي مهما كانت رتبته وفي نفس كل ضابط مهما كان موقعه أن عددا غير قليل كانوا ولا زالوا ينتظرون المعافاة والشفاء ومنهم من فقد جزءً من أحد رجليه واستبدله بآخر اصطناعي وكان يطلب من الأطباء بإلحاح، يطلب منهم أن يسمحوا له بالخروج حتى يلتحق بزملائه في الحراسة وفي الحماية وفي القتال. فأصحاب العزائم الصلبة لا تلين ولا تنكسر أبدا، الإرادة في المواجهة وفي الانتصار ومن كان في أوطانه حاميا لها فذكْراهُ مسكٌ في الأنام وعنبرُ.
أيـّـها الضباط وضباط الصف ورجال الجيش
أنتم سُدٌّ منيع يحمي الوطن من كلّ سوء، سُدٌّ منيع ضدّ الإرهاب، جدار صلب ضدّ التهريب، قلعةٌ منيعة ضدّ الهجرة غير الشرعية، جدار تتكسّر عليه كل من تخوّل له نفسه سوء بهذا الوطن.
والحماية من هذه الظواهر ليست وحدها مصدرا لنرفع رؤوسنا عالية في السماء وتحت كل سماء، فكلما اقتضت الحاجة الى معاضدة السلط الأمنية، كنتم أسبق المعاضدين في مجالات لا يكاد يعدّها إحصاء، في تأمين الانتخابات، وفي تأمين الامتحانات وفي إخماد الحرائق وفي النجدة والانقاذ، هذا فضلا عن عديد المشاريع التي لم تكن لتنجَزَ في وقت قياسي وبمهارة أبهرت الجميع لولا إشراف الهندسة العسكرية عليها.
ولا شك، في هذا السياق، أن توسيع ديوان رجيم معتوق ليشمل كل الجنوب والصحراء، سيحوّل المناطق القاحلة إلى مناطق خضراء حتى تكون هذه الأرض الطيّبة خضراء من أقصى نقطة في الشمال إلى أقصى نقطة في الجنوب ببرج الخضراء.
ولأن الشعب التونسي وفيّ لعائلات الشهداء ووفيّ للمصابين، تمّ إنشاء مؤسسة فداء قبل مزيدِ تطويرها بتنقيح القانون الذي أنشأها، وجدير بالذكر في هذا المقام، الإنجاز الذي لا يمكن أن يقاس بأي مقياس هو العلاقة العاطفية التي تربط بين المواطنين التونسيّين بالضباط وضباط الصف ورجال الجيش كلّهم، فمن لا يتذكر صورة تلك البنت الصغيرة وهي تقدم لأحد الجنود وردةً، حبّا واعتزازًا ووَفاءً. وهذه العاطفة، وهذا الشعور مدعاة لمزيد تطوير قدرات قواتنا المسلحة العسكرية، وقد بدأ الإعداد لنصوص جديدة بعضها على وشك الانتهاء والبعض الآخر منها في طور الإنجاز، هذا دون ذكر عديد الآليّات التي تمّ تطويرها بل أكثر من ذلك، تمّ تصنيعها بكفاءات تونسية خالصة. ويقتضي الواجب الوطني المقدس أن لا ننسى الدعوات التي تتلقّاها قواتنا المسلحة العسكرية في إطار قوّات حفظ السلام في العالم، فليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أن تُدعى قوات جيشنا لمثل هذه العمليّات، وقد دُعِيَ منذ أوائل سنوات الستّين من القرن الماضي.
كما ليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أيضا، أن تتلقّى مدارسنا وأكاديميّاتنا العسكرية عديد المطالب من دول صديقة وشقيقة حتّى يَلْقَوْا أفضَلَ أنواع الإحاطة وأفضل أنواع التكوين.
الوطن أمانة في أعناقنا جميعًا، الوطن هو الدار وهو الحصن وهو الأمل وهو المستقبل وهو أعلى درجاتِ الشّرف، كلنا حماةُ الديار، حماةُ هذا الوطن العزيز ورَافِعُوا رايته، كلنا دروع وسيوف تخرج من أغمادها، لأن الفداء من أجل هذا الوطن أعلى درجات الفداء.
عاشت تونس حرة منيعة أبد الدهر، عاشت ورايتها خفّاقة عالية بين الأمم.
كل عام ووطننا العزيز بخير، كلّ عام والمؤسسة العسكرية بكلّ مكوناتها بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زر الذهاب إلى الأعلى