Centered Iframe
إقتصاد و أعمال

البنك العمومي بين فوضى القروض ومقبرة المحاسبة: من يحمي الفساد البنكي في تونس؟

    في الوقت الذي تتكبد فيه الدولة التونسية أزمات مالية متلاحقة، وتُفرض الإجراءات التقشفية على المواطن البسيط، تبقى ملفات كبرى مثقلة بالشكوك والمحاباة طي الكتمان، وعلى رأسها ملف القروض الممنوحة دون ضمانات من البنوك العمومية، وعلى رأسها الشركة التونسية للبنك (STB)، الذي تحوّل من مؤسسة مالية وطنية إلى مرآة عاكسة لتحالفات خفية بين لوبيات المال والسياسة.

قروض بلا ضمانات… وديون مشكوك في استرجاعها

ليست الأزمة مجرد أرقام متعثرة في دفاتر المحاسبين، بل هي مليارات من المال العام أُهدرت، بعضها بأوامر سياسية، وبعضها الآخر بغطاء إداري فاسد. رجال أعمال تعثروا بنكيًا استمروا في السيطرة على مفاصل الاقتصاد، لا بكفاءتهم بل بشبكات النفوذ التي اخترقت الإدارة، وسخّرت مناصبها لتسهيل الاستغلال المستمر للمال العام.

السؤال الخطير الذي يتجنّبه كثيرون: لماذا لم يُفتح بعد ملف القروض المشبوهة؟

رغم أن المبالغ أصبحت تُحسب بالآلاف من المليارات، فإن هذا الملف لا يزال مؤجلاً… مؤجلاً بقرار سياسي؟ أم بفعل سطوة الفاسدين؟

STB: أكثر من بنك… إنه “نظام”

الشركة التونسية للبنك، المؤسسة المالية العمومية، لم تعد مجرد بنك، بل أصبحت نظامًا مغلقًا بحد ذاته. شبكة معقدة من المصالح تتداخل فيها: سياسيون من مختلف العهود، رجال أعمال “محظوظون”. مسؤولون بنكيون يلوذون بالصمت، أو يتواطؤون ضمنيًا، ويتوارثون المناصب لحماية الشبكة ومنع تكريس الحوكمة.

والنتيجة؟ عدم تطبيق توصيات دائرة المحاسبات لسنة 2022، إخفاء الشكايات، وتجاهل الأسئلة حتى من نواب الشعب.

“مراد الحطاب”… جرس الإنذار الذي أرادوا إسقاطه

 الخبير في المخاطر المالية مراد الحطاب لم يكتف بالإشارة، بل سمّى الأمور بمسمياتها، بالأرقام والمعطيات، متحدّثًا عن خرق صريح للفصل 412 من المجلة التجارية.

 حذّر من تمرد بعض البنوك على أوامر رئيس الجمهورية نفسه.

لكن مصيره؟ إضراب جوع، تهديد بعزله إداريًا، وإحالته على مجلس تأديب! لا تحقيق، لا محاسبة، لا اعتراف. فقط الصمت، وربما الأسوأ: العقاب.

الدولة التي تخاف من الملفات… لا تصلح للإصلاح

إذا كانت الدولة عاجزة عن فتح ملف STB، فما معنى الحديث عن “الإصلاح الاقتصادي”؟ إن تجاهل هذا الملف يجعل كل الشعارات جوفاء وكل السياسات المالية غير ذات جدوى.

من يحمي الفساد البنكي؟

من يمنع نشر قائمة كبار المدينين؟

من يحاصر من يحاول كشف الحقائق؟

كلمة الشعب على لسان ممثليه

   النائبة فاطمة المسدي، المهتمة بالملف، صرّحت بمرارة: “أنا صوت دافعي الضرائب… البنك العمومي ليس غنيمة”، مؤكدة أنها لن تصمت عن هذا الإهدار للمال العام، رغم الضغوط والمثبطات.

في الختام، لن يكون هناك إصلاح حقيقي في تونس ما لم يُكسر جدار الصمت، وتُفتح ملفات القروض المشبوهة، ويُكشف الغطاء عن محميي البنوك العمومية. فالمعركة اليوم لم تعد مالية فقط، بل هي معركة سيادة على المال العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى