Centered Iframe
ثقافة وفنون

كتاب “الموجز في تاريخ علم الأديان وجانبه العربي المغيب” للدكتور الصحبي بن منصور

     صدر مؤخرًا للدكتور الصحبي بن منصور كتاب فكري مميّز بعنوان “الموجز في تاريخ علم الأديان وجانبه العربي المغيب”، وهو عمل يسعى إلى سدّ ثغرة كبيرة في الأدبيات العربية المتعلّقة بتاريخ علم الأديان، ويُعيد طرح سؤال طالما تمّ تهميشه في بعض الدراسات الأكاديمية: لماذا غُيّب الإسهام العربي في بلورة هذا العلم؟ وهل كان للعرب والمسلمين دور فعلي في التمهيد لفهم الظاهرة الدينية بطرق علمية قبل نشأة هذا العلم في السياق الغربي الحديث؟

 محاولة علمية لفك العزلة

 يقوم الدكتور بن منصور في هذا الكتاب بمحاولة واعية لفكّ العزلة التي فرضها الخطاب الغربي على تاريخ علم الأديان، والذي غالبًا ما يُؤرخ له انطلاقًا من القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، متناسيًا جذورًا أعمق في الفكر العربي الإسلامي، حيث تناول الفلاسفة والمتكلمون والمؤرخون المسلمون مثل المسعودي، والفارابي وابن حزم، والشهرستاني، وابن تيمية وابن خلدون… الظاهرة الدينية من منطلقات متعددة تجمع بين الفهم والتحليل والنقد والمقارنة.

ما الجديد في هذا “الموجز”؟

لا يقتصر العمل على استعراض الكلاسيكيات الغربية في علم الأديان، بل يتميّز بانفتاحه على المدوّنة التراثية العربية الإسلامية وضمنها المدونة الزيتونية القديمة والمعاصرة، مؤكدًا أن التفكير في الأديان لم يكن حكرًا على الغرب، وإنما هو ممارسة فكرية وحضارية مارسها العرب والمسلمون منذ قرون، ولكن تم تجاهلها أو تحجيمها في التأريخ الغربي الحديث لهذا الحقل.

ان هذا الكتاب لا يعيد فقط الاعتبار لهذه الإسهامات، بل يسعى لتأسيس منظور مزدوج حيث يُعيد قراءة الفكر الديني عالميًا، ويُبرز خصوصية المنهج العربي الإسلامي في فهم الدين، سواء من حيث تصوّره لطبيعة الوحي، أو علاقته بالتاريخ، أو منهجيته في مقارنة الأديان.

 رؤى متنوعة ومقاربة شاملة

اعتمد الدكتور الصحبي بن منصور في عرضه على منهج تحليلي نقدي، يزاوج بين التأريخ والوصف، ويضع كل تيار فكري في سياقه الثقافي والسياسي والمعرفي،كما يعرض لأبرز المدارس الغربية التي أسهمت في بناء علم الأديان الحديث، مثل المدرسة التاريخية الألمانية، والأنثروبولوجيا الفرنسية، والظاهراتية، والمقاربة البنيوية، وغيرها

وتكمن القيمة المضافة الحقيقية في الكتاب في القسم الذي خصصه للجانب “المغيب” من سرديات علم الأديان، أي للمفكرين العرب الذين اشتبكوا مع الظاهرة الدينية بطرق علمية ومنهجية، ولكنهم غُيّبوا من السرديات الغربية، بل أحيانًا من السرديات العربية نفسها.

 دعوة لإعادة كتابة التاريخ

 يرفع الكتاب شعارًا ضمنيًا يمكن تلخيصه في انه “لا علم أديان دون استحضار البعد العربي الإسلامي في تشكّله”وهي دعوة لإعادة كتابة تاريخ علم الأديان بمنطق أكثر عدالة وانفتاحًا، يُنصف الثقافات غير الغربية، ويُعيد الاعتبار لإسهامات تمّ تهميشها إما بسبب الاستعمار المعرفي أو لعوامل ذاتية داخل الحضارة العربية الإسلامية.

وفي تصديره لهذا الكتاب كتب الدكتور نجم الدين الهنتاتي (رئيس مخبر المذاهب الإسلامية ببلاد المغرب الإسلامي وعلم الأديان، وعضو بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”)”يُعد كتاب الدكتور الصحبي بن منصور “الموجز في تاريخ علم الأديان وجانبه العربي المُغيّب” محاولة جيّدة سعى فيها المؤلّف إلى تبْسيط هذا العلم وجعْله في متناول الجميع لاسيما الطلبة وغيرهم. وبهذه الشاكلة يُمكن اعتبار المؤلِّف من المساهمين في حركة تنوير العقل وإخراجه من قيود التعصّب. وقد أتى هذا الكتاب في أسلوب سلس وواضح، يُشجّع القارئ على الاستفادة منه، لا سيما في هذه الظروف التي ما يزال فيها الفكر المُتشدّد يتهدّد مجتمعاتنا”.

أما الدكتور عبد القادر النفاتي مدير المعهد العالي لأصول الدين بتونس فقد ذكر خلال تقديمه لهذا الكتاب أنّ “الكتابة في هذا النسق العلمي أو في هذا الأفق المعرفي إذن وتوجيه الناس إلى الاهتمام والانشغال بها، لهي كتابة قيّمة ومُهمّة تستحق التقدير والاحترام اللاّزمين، ولعلّ هذا ما يُحسب للمؤلّف الدكتور الصحبي بن منصور والذي أتمنى له كل التوفيق والنجاح والتميّز في هذا العمل العلمي وغيره”.

ختاما،يُعدّ كتاب “الموجز في تاريخ علم الأديان وجانبه العربي المغيب” مساهمة قيّمة في الحقل الفكري العربي، ويطرح أسئلة حرجة حول علاقة العرب والمسلمين بالظاهرة الدينية علميًا، ومدى حضورهم في النقاش العالمي حول الأديان. وهو دعوة للتفكير مجددًا في كيفية بناء سرديات معرفية أكثر شمولًا وإنصافًا.

عموما سيكون هذا الكتاب للقارئ المهتم بتاريخ الأفكار، وعلم الأديان، وتاريخ الفكر العربي، مرجعًا ضروريًا وبوابة نحو إعادة التفكير في علاقة الفكر العربي بالإرث الإنساني المشترك.

يشار الى ان مؤلّف هذا الكتاب الدكتور الصحبي بن منصور وهو حاليا أستاذ الحضارة العربية بالمعهد العالي للعلوم الاسلامية بالقيروان ومدير تحرير المجلة الزيتونية التي تصدر عن رئاسة جامعة الزيتونة وقد أصدر ونشر في رصيده 21 كتابا و25 بحثا في مجلات علمية محكمة وفي كتب مشتركة وقد شغل سابقا خطة مدير عام إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم (2015-2017) تم تعيينه لاحقا في إطار مواصلة جهود مقاومة التطرف العنيف مستشارا (2019-2020) لدى وزير الشؤون الدينية القاضي أحمد عظوم كما تولى منذ سنتين (2023) التنسيق العام لندوة دولية احتضنها نزل أفريكا بالعاصمة

منصف كريمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى