أوقفت الوحدات الأمنية والد الوزير الأسبق للمالية فاضل عبد الكافي رجل الأعمال البارز أحمد عبد الكافي، والمديرة العامة السابقة لصندوق الودائع والأمانات بثينة بن يغلان، فيما صنف فاضل عبد الكافي في حالة فرار، وذلك في إطار التحقيقات بشأن إحدى أخطر قضايا النهب المالي والإداري للدولة. وتقدّر الخسائر الأولية الناتجة عن استنزاف أموال الصندوق بأكثر من 70 مليون دينار.
صندوق الودائع: بين طموح الإصلاح وواقع النهب
منذ إنشائه، وُكلت لصندوق الودائع والأمانات مهمة تمويل الاستثمار ودعم المشاريع التنموية الكبرى ليكون أداة إنقاذ للإقتصاد الوطني. لكن مع بداية سنة 2011، وفي سياق الاضطرابات السياسية والاقتصادية، بدأ الصندوق يتحوّل من أداة للدولة إلى شبكة معقدة للتلاعب والنهب المنظم.
تراكمت التجاوزات خلال أكثر من عقد، قُدّرت خسائرها بأكثر من 70 مليون دينار، وهو رقم يعكس حجم الاستيلاء المنهجي على المال العام عبر قروض مشبوهة واستثمارات موجَّهة لمصالح خاصة، بعيداً عن الأهداف الأصلية التي أنشئ من أجلها.
الحقبة السوداء لبثينة بن يغلان
حين تولت بثينة بن يغلان منصب المديرة العامة للصندوق بين مارس 2016 وأوت 2021، كانت المؤسسة تعيش فترة عصيبة. خلال إدارتها، تمّت عمليات تمويل واسعة لقروض دون ضمانات واضحة، بلغت عشرات الملايين من الدنانير، شملت عائلات وأطرافاً نافذة من بينها البوشماوي وبن يدر. كما أثيرت شبهات حول توجيه التمويلات إلى شركات بعيدة عن التنمية الوطنية. هذه الفترة وُصفت من قبل خبراء الاقتصاد بـ”الحقبة السوداء”، إذ كشفت عن تفاقم التجاوزات وغياب شبه كلي للرقابة الفعلية.
فاضل عبد الكافي وعضويته المثيرة للجدل
دخل فاضل عبد الكافي، الوزير الأسبق للمالية، مجلس إدارة الصندوق في مرحلة حساسة وظل عضواً فعالاً حتى أواخر 2017. وجوده هناك ترافق مع أكبر عمليات تلاعب في الحسابات وتمويلات كبرى لصفقات معقدة. يُتهم عبد الكافي الابن بالاستفادة من موقعه السياسي والاقتصادي في التوجيه والضغط على قرارات استثمارية أثارت الجدل، خاصة مع تورط والده أحمد عبد الكافي في استغلال صفقات مرتبطة بالصندوق لتحقيق منافع خاصة.
آليات الفساد: من القروض الميسّرة إلى شراء الشركات المصادرة
التحقيقات الجارية تكشف خيوطاً دقيقة لآليات النهب المنظم التي عصفت بالمؤسسة:
قروض دون ضمانات: تم منح قروض ميسرة بملايين الدنانير لعائلات نافذة دون أي مراقبة لاحقة أو ضمانات فعلية.
تمويل شراء الشركات المصادرة: أبرز الأمثلة تمثل في شراء شركة “كيا تونس” عبر أموال الصندوق، أي أن موارد الدولة استُعملت لشراء ممتلكات الدولة نفسها.
تحويلات بمئات المليارات: رصد تحويلات ضخمة، بينها عملية تمويل واحدة وصلت إلى 300 مليون دينار لصالح شركة استثمارية، دون مسار قانوني واضح.
تلاعب ممنهج بالحسابات: منذ 2011 ظلت عمليات المحاسبة عرضة للتزوير والتلاعب، وهو ما جعل الصندوق بمثابة “مغارة علي بابا” لشبكات النفوذ المالي والسياسي.
مطالب بالتدقيق والمحاسبة
يرى الخبراء أن الوضع الحالي يحتم مراجعة شاملة لجميع معاملات صندوق الودائع والأمانات من سنة 2011 حتى 2022، مع ضرورة محاسبة جماعية لكل من شارك باستغلال موارد الدولة ونهب أموالها. القضية اليوم تمثل اختباراً حقيقياً للسلطات التونسية في مدى التزامها بفتح ملفات الماضي واسترجاع الأموال المنهوبة، وقطع الطريق أمام عودة النفوذ المالي السياسي الذي خرّب مؤسسات الدولة لسنوات.
زر الذهاب إلى الأعلى