Centered Iframe
أخبار عالمية

المال يشتري كل شيء.. لماذا تنتشر ظاهرة المرتزقة الأجانب في أفريقيا؟

    من جديد تعود ظاهرة المرتزقة الأجانب المنخرطين في أعمال قتال داخل قارة أفريقيا إلى الواجهة، فمن غرب القارة إلى شمالها وصولا إلى الشرق تعج التقارير بالأنشطة المختلفة بعمليات تجنيد لمقاتلين أجانب في الحروب والصراعات الداخلية خلال السنوات الأخيرة، مستشهدة بما يدور في دول أفريقية مثل مالي وليبيا والكونغو والسودان.

وفي الآونة الأخيرة كشفت منصة «In Depth Reports» في تحقيق استقصائي موسع لها عن ظاهرة «الجنود المأجورين» في كولومبيا باعتبارها ليست جديدة هناك، بل كونها امتداد لمسار طويل حوّل البلاد إلى سوق مفتوحة لتصدير المقاتلين، مدفوعة بعوامل اقتصادية واجتماعية وعسكرية متشابكة.

يركز التحقيق على ما شهدته ظاهرة المرتزقة، أو المقاولين العسكريين، من طفرة ملحوظةً على مدى العقدين الماضيين، حيث تطورت من حالات فردية متفرقة إلى صناعة عابرة للحدود تُنتج جيوشًا مساعدة أو وحدات صغيرة تُنفذ مهام قتالية وأمنية دقيقة. وفي قلب هذا الصعود، برزت كولومبيا كواحدة من أهم المستودعات البشرية التي تغذي هذه السوق العالمية.

ومن هايتي، حيث تورطوا في اغتيال الرئيس، إلى أوكرانيا التي رحبت ببعضهم على جبهات القتال، وصولاً إلى السودان، حيث يشاركون الآن في صراع دموي طويل الأمد، ترك هؤلاء المقاتلون المحترفون بصماتهم على بعضٍ من أكثر بؤر التوتر اشتعالاً في العالم، وفق التحقيق.

وتقول الباحثة الكولومبية ماريا تيريزا رويز، المتخصصة في نزاعات أمريكا اللاتينية لفريق تحقيق المنصة: «تنتج كولومبيا ما يمكن تسميته بالعمالة العسكرية الرخيصة، حيث يغادر الجندي الكولومبي الخدمة بخبرة قتالية لا مثيل لها، ولكن دون مستقبل اقتصادي. هذا المزيج يجعلهم موردًا مثاليًا لشبكات المرتزقة

شبكات للتجنيد

عن المرتزقة الكولومبيين ينقل تحقيق المنصة عن الكولونيل جون مارولاندا، رئيس جمعية الضباط المتقاعدين في القوات المسلحة الكولومبية قوله إن هناك ما بين 10 آلاف و15 ألف جندي وضابط يتقاعدون أو يتم تسريحهم سنويًا، ويجد معظمهم أنفسهم دون بدائل اقتصادية حقيقية، في بلد يعاني من ارتفاع معدلات البطالة ومحدودية الفرص في القطاع المدني.

هذه الفجوة تفتح الباب واسعًا أمام شبكات التجنيد في الخارج، حيث يمكن للجندي المتقاعد أن يضاعف دخله عشرة أضعاف تقريبًا بمجرد توقيع عقد مع شركة أمنية خاصة، حتى لو كان ذلك يعني الانضمام إلى صراعات خارجية لا يعرف سياقها.

ويشير التحقيق إلى أن هذا التفاوت المالي حوّل كولومبيا إلى ما يصفه الخبراء بـ«منجم لا ينضب» للمرتزقة، وصار هناك دائمًا إمداد ثابت من الجنود المدربين، المستعدين للمخاطرة بحياتهم مقابل دخل يضمن لعائلاتهم مستوى معيشة أفضل.

وأعاد فريق التحقيق التذكير بأن تاريخ الجيش الكولومبي الطويل في حروب العصابات ومكافحة التمرد جعل من قدامى المحاربين أهدافًا رئيسية لشبكات المرتزقة الدولية. فهم يمتلكون «القدرة على القتال في بيئات معقدة مثل الغابات والجبال والمدن المكتظة بالسكان، ومهارات في الكمائن والاستخبارات الميدانية والتكتيكات غير التقليدية، وانضباط عسكري اكتسبوه عبر عقود من الحرب ضد القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وعصابات المخدرات».

ويضيف التحقيق: «لهذه الأسباب لم يقتصر وجودهم على السودان وحده، فقد سبق لهم الانضمام إلى خطوط المواجهة في العراق وليبيا، حيث استُخدموا لحماية المنشآت النفطية، وفي بعض الأحيان، للقتال المباشر، وفي هايتي عام 2021، تورط عشرات المرتزقة الكولومبيين في اغتيال الرئيس جوفينيل مويس، في واحدة من أكثر الفضائح إثارة للصدمة في تاريخ المرتزقة. كما أنه في أفريقيا، رُصد هؤلاء في مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يعملون ضمن شركات أمنية خاصة».

واليوم، لم يعد الأمر يقتصر على جنود أفراد يسعون للحصول على عقود عمل، بل تطور إلى صناعة منظمة تضم شركات أمنية خاصة ووسطاء وشبكات تمويل عابرة للحدود الوطنية. ويؤكد التحقيق أن بعض هذه الشركات مسجل قانونيًا في كولومبيا أو بنما، ومع ذلك تعمل كواجهات لعقود مرتزقة تُدار بسرية تامة.

ويستشهد تحقيق منصة «In Depth Reports» بروايات مدنيين في أحياء أم درمان بالسودان عن مصادفتهم رجال غرباء مسلحين يتحدثون الإسبانية بلكنة كولومبية مميزة، وينتشرون في شوارع الخرطوم منذ دخول قوات الجيش إلى العاصمة في مارس الماضي، ما يعني أن المرتزقة الكولومبيين أصبحوا جزءاً من الحرب. لكن في المقابل ينفي الجيش السوداني وجود أي وجوه أجنبية بين صفوفه.

التحقيق نفسه تحدث عن حالة من الارتباك في مناطق بالخرطوم بسبب وجود جثث مجهولة الهوية لم تُسلم قط لعائلاتها، ولا تتطابق هوياتها مع السجلات العسكرية.

استسلام مرتزقة

من السودان إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث مشهد آخر كشفه تقرير لوكالة رويترز منشور في يناير الماضي عن الاستعانة بالمرتزقة الأجانب بعد أن استسلم ما يقرب من 300 مرتزق أجنبي، استعانت بهم حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية للتصدي لهجوم سريع شنه متمردو حركة إم 23 المدعومة من رواندا في شرق البلاد، وعادوا إلى ديارهم.

عند وصولهم إلى مدينة غوما أكبر مدينة في شرق الكونغو، وقع المرتزقة الأجانب عقودًا من ثلاث صفحات، نصت على رواتب تتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف دولار أمريكي شهريًا، حسب الأقدمية، وفقًا لأربع شركات مختلفة تحدثت إليهم صحيفة الجارديان في تحقيق آخر منشور في مارس الماضي.

لكن الصدمة كانت عندما استولت حركة إم 23 على غوما، مما حاصر المرتزقة وفلول جيش الكونغو والميليشيات المتحالفة معه، على بحيرة كيفو والحدود الرواندية ولعدم وجود مكان آخر ينسحبون إليه، سلموا أنفسهم لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في غوما، التي رتبت لهم بعد ذلك طريق عودتهم إلى ديارهم عبر رواندا المجاورة.

ونقلت رويترز عن أحد هؤلاء الجنود المرتزقة قوله إنه مواطن روماني أمضى نحو عامين في غوما، مضيفًا: «نشعر بارتياح كبير لأننا نستطيع العودة أخيرًا إلى ديارنا» لكنه رفض الكشف عن هويته مكتفيًا بالقول: «غوما باتت مدمرة بسبب الحرب بين الروانديين والكونغوليين».

بينما يكشف تحقيق الجارديان عن استخدام جمهورية الكونغو الديمقراطية لمئات المقاتلين الرومانيين المأجورين، مشيرة إلى الدور الفاشل للمرتزقة الغربيين في سقوط مدينة غوما بعد أن تبين أنهم مجرد حراس سوبر ماركت وسائقي شاحنات في بلدانهم الأصلية لكنهم ارتكبوا أخطاء عسكرية فادحة انتهت بسقوط.

ففي يناير الماضي سيطرت ميليشيا حركة 23 مارس والجنود الروانديون معًا على أكبر مدينة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وكانت هزيمة نكراء، ليس فقط للقوات الكونغولية، بل أيضًا للأوروبيين الذين كانت الحكومة تأمل أن يحموا غوما، بحسب الجارديان.

وتنفي رواندا دعمها للمتمردين، لكنها تقول إنها اتخذت ما تسميه إجراءات دفاعية، وتتهم الكونغو بالقتال إلى جانب مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى