عقد مجلس نواب الشعب صباح يوم الاثنين 20 أكتوبر 2025، جلسة عامة برئاسة السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وبحضور السيد مصطفى الفرجاني وزير الصحة، والسيد صلاح الزواري وزير التجهيز والإسكان والوفد المرافق لهما، وتضمّن جدول الاعمال إجراء حوار حول الوضع بقابس.
وفي مستهلّ الجلسة، ألقى رئيس مجلس نواب الشعب كلمة شدّد فيها على أنّ ما تعيشه جهة قابس ليس أزمة ظرفية، بل هو نتيجة لتراكمات طويلة وسنوات من الإهمال ومن السياسات البيئية غير المدروسة. كما أكّد أنّ هذه الجلسة تهدف إلى الوقوف على حقيقة الأوضاع من مختلف الجوانب، بما في ذلك التداعيات الصحية والمطالب الاجتماعية والحقوقية المشروعة للأهالي في المنطقة. وعبّر رئيس المجلس عن التضامن مع سكان قابس، مثمّنا وعيهم وحرصهم على المطالبة بحقوقهم بالطرق السلمية والحضارية، ومحذّرا في ذات السياق من محاولات استغلال الأزمة لأغراض مشبوهة. وأشار إلى المتابعة المستمرة التي يوليها رئيس الجمهورية للملف البيئي، وحرصه على اعتماد مقاربات جديدة لإيجاد حلول عاجلة للتلوث في جهة قابس، في انتظار وضع استراتيجية شاملة ومستدامة على المستوى الوطني.
واختتم رئيس المجلس كلمته بالتأكيد على أنّ مسؤولية معالجة الوضع تقع على عاتق مختلف مؤسسات الدولة، داعيا إلى تعميق الحوار وتوحيد الجهود لإيجاد حلول مبتكرة وناجعة تضمن الحق في بيئة سليمة طبقا لما يقتضيه الفصل 47 من دستور الجمهورية التونسية.
ثمّ تمّت إحالة الكلمة الى وزير الصحة السيد مصطفى الفرجاني، حيث أبرز أن الوضع البيئي في قابس لا يقتصر على البعد الجهوي، بل يمثل رمزًا وطنيًا للعدالة البيئية والتنمية المتوازنة، باعتباره ملفًا تتقاطع فيه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وأكد أن الدولة تعمل على تحويل المخاطر البيئية إلى فرص حقيقية للتنمية المستدامة، تكفل حق المواطنين في بيئة سليمة وصناعة متطورة، مبيّنًا التزامها الكامل بحماية البيئة وضمان التطور الصناعي المتوازن.
وشدد وزير الصحة على أن مطالب الأهالي بقابس مشروعة دستوريا وإنسانيا، مبرزا أن المؤسسات التي تلتزم بالمعايير البيئية هي الأكثر قدرة على الصمود والمنافسة.
كما أوضح أن الوضع الحالي هو نتيجة تراكم الإخلالات والوعود غير المنجزة على مدى عقود، مؤكدًا عدم تسامح الحكومة مع كل من قصّر في تحمّل مسؤولياته تجاه البيئة وتجاه حقّ الأهالي في مناخ سليم.
وأشار إلى ضرورة تحقيق توازن ذكيّ بين الحق في التنمية والحق في بيئة سليمة، مؤكدا أن البيئة ليست عبء على التنمية، بل رافعة أساسية لها، من شأنها أن تسهم في خلق نموذج اقتصادي جديد قائم على الابتكار الصناعي النظيف، واستغلال مواد مثل “الفوسفوجيبس” ضمن منظومة الاقتصاد الدائري.
وذكّر الوزير بموقف رئيس الجمهورية الذي أكّد أن العدالة البيئية جزء لا يتجزأ من العدالة الاجتماعية، ومكوّن أساسي من مقوّمات السيادة الوطنية، مشيرًا إلى أن رئاسة الجمهورية تولي هذا الملف أهمية كبرى، لا سيما من خلال الزيارات الميدانية واللقاءات مع شباب الجهة.
ثمّ تولّى وزير التجهيز والإسكان السيد صلاح الزواري تقديم عرض مفصّل حول الوضع البيئي وواقع القطاع الصناعي في قابس. وأوضح أن قطاع الفسفاط يوفر حوالي 14 ألف موطن شغل مباشر ويغذي الفلاحة التونسية بالأسمدة اللازمة. كما أشار إلى أن عديد المشاريع البيئية التي انطلقت منذ سنوات بقيمة تفوق 200 مليون دينار لم تكتمل بعد، وهو ما ساهم في تفاقم الوضع البيئي.
وفي هذا الإطار، استعرض الوزير أبرز المشاريع الجارية والتي تهدف الى الحدّ من الانبعاثات الغازية لوحدات المجمع الكيميائي، من بينها:
▪️مشروع الحدّ من انبعاث ثاني أكسيد الكبريت SO₂ من وحدات الحامض الكبريتي بنسبة إنجاز بلغت 70%، مع استكمال الأشغال خلال الـ03 أشهر القادمة.
▪️مشروع تحسين غسل غازات الأمونيا NH₃ من وحدات إنتاج سماد DAP بنسبة إنجاز 84%، مع استكمال الأشغال خلال 6 أشهر.
▪️مشروع الحد من انبعاثات SO₂ من وحدات الحامض الكبريتي والفسفوري بكلفة 30 مليون دينار.
▪️مشروع الحد من انبعاثات N₂O وCO₂ من وحدة الحامض النيتريكي بكلفة 6,2 مليون دينار، وهو في طور الأشغال.
▪️مشروع استعمال تقنية الامتصاص المضاعف واسترجاع الحرارة في الوحدة الثانية لإنتاج الحامض الكبريتي بكلفة 154 مليون دينار، مع التعهّد بإنهائه قبل موفى 2026.
وأكد الوزير أن الوضع البيئي الحرج يستوجب اتخاذ تدابير عاجلة، من بينها التفاوض المباشر لتعيين مقاولات مختصة للإسراع في إنجاز المشاريع، والتعاون مع شركات صينية لمعالجة الانبعاثات، إضافة إلى إيقاف سكب الفسفوجبس في البحر وإنشاء موقع تخزين مراقب والعمل على تثمينه في مواد البناء. كما دعا إلى استكمال مشروع الحد من انبعاث NOx من وحدة الحامض النتريكي الذي بلغت نسبة إنجازه 98% قبل نهاية سنة 2025.
وشدد الوزير في ختام كلمته على أن هذه الإجراءات العاجلة والبرامج المتوسطة المدى تهدف إلى وضع حد للتلوث البيئي في الجهة وتحقيق توازن بين النشاط الصناعي وحماية البيئة.
ثمّ تمّ فتح باب النقاش العام، حيث تناول النواب عددا من الإشكاليات والتوصيات المتعلّقة بتطورات الوضع في قابس، وفيما يلي أبرز النقاط المطروحة:
▪️تدهور الوضع البيئي في قابس نتيجة انبعاث الغازات السّامة وتقادم منشآت المجمع الكيميائي وتداعياته الخطيرة.
▪️انتشار الأمراض الخطيرة في الجهة يستوجب إجراءات صحية عاجلة وخاصة.
▪️قابس تشهد جريمة بيئية متواصلة منذ عقود.
▪️المطالبة بتفكيك وحدات المجمع الكيميائي ونقلها، مع اعتماد التكنولوجيا الحديثة كبدائل.
▪️الإسراع في اتخاذ قرارات عاجلة لإنقاذ الوضع البيئي والصحي.
▪️الإستثمار في الكفاءات التونسية وعدم الاكتفاء باللجوء إلى الخبرات الأجنبية.
▪️المطالبة بمحاسبة كل المتورطين والمتسبّبين في تفاقم الوضع البيئي في قابس.
▪️إحداث لجنة وطنية تحت إشراف البرلمان لمعالجة الازمة ومراقبة كل التدابير المتعلقة بالوضع البيئي في قابس.
▪️العمل على تثمين ورسكلة نفايات المجمع الكيميائي.
▪️إطلاق برنامج وطني إصلاحي لتأهيل كل المناطق المتضررة.
▪️مكافحة الفساد الإداري الذي يعطل الإصلاحات والبرامج الوطنية.
▪️تأكيد شرعية التحركات الشعبية ونبل مقاصدها، ودعم حق الأهالي في التظاهر السلمي.
▪️وجوب التناغم والتكامل بين الوظيفتين التنفيذية والتشريعية لاتخاذ قرارات حازمة وناجعة.
▪️ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة الأمل وتعزيز شعور المواطنين بقيمة الفرد ودوره في الدولة، لا سيما في المناطق المتضررة من التلوّث.
▪️أهمية إعداد خطة اتصالية شاملة وفعّالة لإطلاع المواطنين على تفاصيل خطة الحكومة وخطواتها العملية، بما يضمن الشفافية والتشاركية.
▪️التشجيع على الاستثمار في مجال البيئة والرسكلة باستغلال الكفاءات التونسية المعطلة عن العمل.
▪️ترسيخ ثقافة حماية البيئة والحفاظ عليها لدى الناشئة.
ثمّ أحيلت الكلمة إلى وزير الصحة السيّد مصطفى الفرجاني للتفاعل مع مداخلات النواب، حيث أكّد أنّ الازمة البيئية في قابس هي قضية وطنية بامتياز، ذات أبعاد إنسانية وتنموية، مشدّدًا على أنّ توجيهات رئيس الجمهورية واضحة في هذا الشأن و لا مجال للمفاضلة بين الاقتصاد والبيئة، بل المطلوب تحقيق توازن دقيق يحمي صحة المواطن ويصون مواطن الشغل في الوقت ذاته.
واكّد الوزير وجود انسجام حكومي وتعاون بين مختلف القطاعات من أجل إيجاد حلول عملية ومستدامة. كما دعا إلى وحدة وطنية صلبة ومشاركة فاعلة من قبل جميع الأطراف، والاستفادة من التجارب المقارنة الى جانب ابتكار آليات تضمن صناعة نظيفة دون الإضرار بالاقتصاد أو بالقطاع الفلاحي.
وفيما يتعلّق بدور وزارة الصحة، أوضح السيد مصطفى الفرجاني أنّه تمّت تهيئة مستشفى قابس واستكمال الأشغال المتوقفة، مع استغلال المستشفى الرقمي المركز بالعاصمة لتأمين الخدمات الصحية على مدار الساعة، بما في ذلك خدمات آلات السكانار والرنين المغناطيسي. كما أعلن عن تركيز قطب خاصّ بالأمراض السرطانية في الجهة، في إطار استراتيجية شاملة للوقاية من الأمراض المزمنة والتنفسية.
وختم الوزير بالتأكيد على أنّ الملف البيئي في قابس لم يعد مسألة محلية، بل رهانًا وطنيًا وصحيًا، يتطلّب قرارات شجاعة ومدروسة، ويمثل واجبًا وطنيًا لحماية صحة المواطنين وضمان بيئة سليمة للأجيال القادمة.
من جهته، أبرز وزير التجهيز والإسكان السيّد صلاح الزواري أنّ المعطيات التي قدّمها في بداية هذه الجلسة تستند إلى دراسات دقيقة واجتماعات وزارية مكثفة، وتهدف أساسًا إلى وضع حدّ للانبعاثات الغازية التي تسببت في كارثة بيئية خطيرة في قابس.
وأوضح أنّ وزارة التجهيز تمتلك الخبرة الفنية اللازمة لاقتراح حلول ناجعة لاسترجاع نسق تنفيذ المشاريع المعطّلة في قابس وفي بقية الجهات. وأكد أنّ الإنجازات السابقة دليل على قدرة الدولة على تجاوز الصعوبات. وبيّن في هذا السياق أنّ شركات صينية أنجزت مشاريع هامة في تونس في آجال قياسية مستعرضا امثلة في ذلك.
وأضاف أنّ جهة قابس تتوفّر على كل المقوّمات التي تمكّنها من أن تتحوّل إلى قطب صناعي واقتصادي كبير، مشيرًا إلى أنّ الوزارة تعمل حاليًا على تعزيز ربطها ببقية الأقاليم عبر شبكة طرقات ومحاور جديدة، سينطلق إنجازها في القريب العاجل، بما يفتح آفاقًا أوسع للتنمية ويعزّز جاذبية الجهة للاستثمار.
وفي الختام أكّد رئيس مجلس نواب الشعب أهمية تكاتف الجهود ودعم كل المبادرات التي تهدف إلى البحث عن حلول بديلة واستجابة لمطالب أهالي قابس وتطلعات المواطنين في مختلف جهات البلاد، بما يسهم في استعادة ثقتهم في مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية. و أبرز ان جلسة الحوار برهنت على مواكبة نواب الشعب للمستجدات وحرصهم على توضيح الحقائق وقطع الطريق أمام أي محاولات للتوظيف السياسي للأحداث، مع تأكيد الدور الوطني والوعي بمسؤولياتهم في نقل صوت الشعب وهمومه وانتظاراته، والمساهمة في بعث الأمل وتوجيه رسائل الطمأنة.
وأشار العميد إبراهيم بودربالة ان مختلف هياكل المجلس أكدت اهتمامها المستمر بمشاغل المواطنين والإشكاليات المرتبطة بحقوقهم الأساسية، وفي مقدمتها الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والحق في الوقاية والرعاية الصحية، وفق دستور 25 جويلية 2022. واكد أن النواب تناولوا الملف البيئي، لا سيما الوضع في قابس، عبر مداخلاتهم في الجلسات التشريعية والحوارية وأسئلتهم الكتابية، مع تقديم مقترحات تشريعية وخطط معالجة مدروسة في إطار الأكاديمية البرلمانية.
وأفاد انّ مجلس نواب الشعب يجدّد التزامه بمواصلة العمل من أجل تحقيق حلول عملية وسريعة للتحديات المطروحة، بالتعاون والتناغم مع مختلف وظائف الدولة، ووضع استراتيجيات مستقبلية لضمان الرقي والازدهار والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين دون تمييز أو استثناء.
🔹مدة الجلسة العامة: 8 ساعات و40 دق
🔹مدة كلمة الرئيس: 08 دقائق
🔹مدة عرض عضوي الحكومة: 32 دق
🔹عدد المداخلات: 57
🔹مدة النقاش العام: 5 ساعات و40 دق
🔹مدة ردود عضوي الحكومة: 35 دق
زر الذهاب إلى الأعلى