تشهد تونس خلال السنوات الأخيرة طفرة معتبرة في قطاع البناء والتشييد، ترافقها مشاريع عمرانية واسعة وتحديث متواصل للبنية التحتية.
غير أن هذا التوسع، رغم أهميته التنموية، أفرز كميات ضخمة من نفايات الهدم والبناء، التي أصبحت اليوم من أكثر النفايات الصلبة حجماً على المستوى الوطني.
وفي ظل غياب منظومة واضحة لإدارتها، باتت هذه النفايات تمثل تحدياً بيئياً واقتصادياً ملحّاً يستوجب رؤية وطنية جديدة تقوم على تثمين الموارد بدل التخلص منها.
المرصد التونسي للسياسات العمومية يقدّم رؤية جديدة:
انطلاقاً من هذا التحدي، وضع المرصد التونسي للسياسات العمومية (OTPP) مقاربة متكاملة تهدف إلى تطوير حلول عملية وعلمية لتثمين نفايات البناء. وقد اعتمد فريق المرصد منهجية عمل ترتكز على ثلاث ركائز أساسية: دراسة دقيقة للواقع التونسي من خلال تقييم الممارسات الحالية والعراقيل التشريعية والمؤسساتية؛ إعداد خطة عمل لإنشاء مراكز جهوية لتثمين هذه النفايات اعتماداً على نماذج اقتصادية وتقنية متطورة؛ وصياغة مذكرة سياسات موجّهة لصناع القرار تتضمن توصيات استراتيجية لتفعيل منظومة وطنية فعالة ومستدامة.
مؤتمر وطني يجمع الفاعلين ويفتح آفاقاً جديدة:
يشكّل المؤتمر الختامي حول آفاق تثمين نفايات الهدم والبناء محطة مفصلية في هذا المسار، إذ يجمع تحت سقف واحد ممثلين عن الوزارات، البلديات، القطاع الخاص، الهياكل الفنية، الباحثين والخبراء.
ويهدف هذا اللقاء إلى عرض أهم ما توصّل إليه المشروع من نتائج، وفتح حوار استراتيجي معمّق حول التحديات القائمة والفرص المستقبلية، إلى جانب تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين وإطلاق مرحلة جديدة تعتمد على التجارب النموذجية والشراكات المستدامة.
ومن المنتظر أن يمهّد هذا المؤتمر لخلق قطاع ناشئ قادر على تحويل النفايات إلى موارد اقتصادية، وفتح آفاق جديدة للاستثمار في الاقتصاد الأخضر، مع تقليص الضغط البيئي وتحسين المشهد العمراني.
نفايات البناء: مورد ثمين لا يُستهان به:
لم تعد نفايات البناء مجرّد مواد مهملة، بل تحوّلت إلى مورد يمكن أن يدعم بشكل فعّال مسار الاقتصاد الدائري في تونس. فإعادة استعمال المواد، وتصنيع منتجات جديدة مثل الركام المعاد تدويره، وتقليص تكاليف الردم والنقل، كلها مكاسب تجعل من تثمين هذه النفايات فرصة اقتصادية وبيئية في آن واحد.
كما يساهم هذا التوجه في الحد من الاستغلال المفرط للمقاطع وتحسين إدارة الأراضي، بما ينسجم مع متطلبات التنمية المستدامة.
نحو تونس أكثر صموداً واستدامة:
إن الانتقال من منطق التخلص من النفايات إلى منطق تثمين الموارد ليس مجرد إجراء تقني، بل هو تحوّل فكري وثقافي يفتح المجال أمام مستقبل أكثر توازناً وابتكاراً.
ومع هذا المؤتمر، تكتب تونس خطوة جديدة في مسار التحول البيئي والاقتصادي، تحت شعار:”نفايات اليوم موارد الغد.”
هي خطوة شجاعة لتؤكد أن بناء تونس الحديثة لا يتوقف عند تشييد المدن والمشاريع، بل يمتد ليشمل حسن إدارة الموارد واستثمار ما قد يبدو للوهلة الأولى مجرد مخلفات.
نادرة الفرشيشي
زر الذهاب إلى الأعلى