إعلاميون يقولون ما لا يعلمون و يعلمون ما لا يقولون و متحدّثون في كلّ شيئ و في اللاشيئ و صنّاع للتفاهة و الترذيل ، كلّ هذا واضح ساطع و لكنّ ما لا ندركه خطورة ذلك و استاباعاته على الرأي العام بل يمكن القول أنّهم دمّروا الفضاء العام و المشهد السياسي .
خبراء في المغالطة و التعويم أفقدوا العمل السياسي مصداقيته و تحوّل المشهد الاعلامي إلى “بلاتوات” تحت الطلب للدفاع عن جهات سياسية أو مالية … فتحوّلت البلاد إلى دولة قائمة على المحاصصات و القطاعية و تقاسم الغنائم بكلّ أنواع الغنائم .
لـ ” الكرونيكورات” أو “كرونيكوزات” دور واضح استغلال المنصّات الاعلامية و الوعي السياسي المتدنّي لنشر أنماط الميوعة بما يحجب الحقائق عن الوعي الجمعي حتّى يسهل التحكّم فيه لصالح لوبيّات بعينها حاضرة و ممثّلة في كلّ النسيج الاعلامي و لكي نتأكّد من ذلك و حتّى لا نتّهم بالتجنّي على القطاع يمكن تقصّي المواضيع المطروحة و التي لم تقترب يوما من هموم النّاس الحقيقية بل يمكن اختزال آدائها في التركيز على أحداث معزولة و ظواهر شاذّة تتحوّل بقدرة مجرمي الشأن العام إلى قضايا وطنيّة في إطار سياسة واضحة معلنة تحييد الرأي العام عن الشأن العام بالمعنى العلمي للكلمة .
نعيش اليوم على وقع معضلات و تحدّيات كبيرة في كلّ المستويات و في وضع إقليمي متحرّك و وضع دولي متوتّر فهل يتمّ طرح هذه المسائل في فضاءاتنا الاعلامية سوى بعض الاستثناءات التي لا وزن لها أمام عموم المشهد.
متى تمّ طرح العائلات النافذة و متى فتحت الملفّات السوداء للعشريّة السوداء و منها قضية التعويضات و متى طرحنا ملفّ الأمن القومي أو في الملفّات الاجتماعية قضية المخدّرات في الفضاء المدرسي أو تأثير الانترنات على سلوك الأطفال أو على السلوك الجمعي …
إنّ تعبئة المشهد بهؤلاء التفّه الذين يربكون كلّ المسارات و يضربون كلّ محاولة للاصلاح و لا همّ لهم سوى مقاومة مقاومة الفساد لأنّ النسيج الاعلامي يرتبط بشكل واضح بهذه اللوبيات و هو ما يفسّر تغييب الكفاءات التي يمكن أن تعيد للفعل السياسي جدّيته و توجّه الرأي العام لقضاياه الحقيقية و بالتالي عقلنة المطالب الشعبيّة و الفضاء العام برمّته .
يشنّ الاعلام على السلطة الحالية حربا شعواء لا هوادة فيها و بعيدا عن تقييمنا لآداء السلطة فإنّ المشهد الاعلامي اختزل دوره في الفترة الحالية على انتقاد السلطة و سرد الأحداث المحبطة و الأرقام المخيفة و ذلك لهدف وحيد استرجاع مشهد السمسرة الاعلامية السياسية حيث تتشابه و تتشابك الأصوات و المصالح ليتفرّق دمّ هذا الشعب المقهور بين القنوات و تغيب الكفاءة و الأكفّاء و معها معالم الدولة الوطنية على يد سماسرة المشهد الاعلامي .
جميلات يحلّلن الأوضاع بشكل قبيح بشع مقزّز و وجوه مستهلكة خاوية رديئة يتحدّثون بإيقاع وضيع و مصطلحات مبتذلة تصدّر للعالم صورة بشعة عن أرض حنّبعل و ابن خلدون ، “كاراكوزيات ” و خزعبلات لم تعد تنطل على أحد في مشهد أصبح تكراره تعذيبا لمشاهد أنهكه الوضع العام و تلاعبت به حفنة السذّج من “الكرونيكوازات” المصنوعة في أعلى مخابر التفاهة.
مقال نشر في جريدة الصباح بقلم سليم العقربي
زر الذهاب إلى الأعلى