مقالات رأي

سليم العقربي: المشهد الاعلامي التونسي بين نظام التفاهة و آداء ” الكرونيكوزات”

     إعلاميون يقولون ما لا يعلمون و يعلمون ما لا يقولون و متحدّثون في كلّ شيئ و في اللاشيئ و صنّاع للتفاهة و الترذيل ، كلّ هذا واضح ساطع و لكنّ ما لا ندركه خطورة ذلك و استاباعاته على الرأي العام بل يمكن القول أنّهم دمّروا الفضاء العام و المشهد السياسي .

    خبراء في المغالطة و التعويم أفقدوا العمل السياسي مصداقيته و تحوّل المشهد الاعلامي إلى “بلاتوات” تحت الطلب للدفاع عن جهات سياسية أو مالية … فتحوّلت البلاد إلى دولة قائمة على المحاصصات و القطاعية و تقاسم الغنائم بكلّ أنواع الغنائم .

   لـ ” الكرونيكورات” أو “كرونيكوزات” دور واضح استغلال المنصّات الاعلامية و الوعي السياسي المتدنّي لنشر أنماط الميوعة بما يحجب الحقائق عن الوعي الجمعي حتّى يسهل التحكّم فيه لصالح لوبيّات بعينها حاضرة و ممثّلة في كلّ النسيج الاعلامي و لكي نتأكّد من ذلك و حتّى لا نتّهم بالتجنّي على القطاع يمكن تقصّي المواضيع المطروحة و التي لم تقترب يوما من هموم النّاس الحقيقية بل يمكن اختزال آدائها في التركيز على أحداث معزولة و ظواهر شاذّة تتحوّل بقدرة مجرمي الشأن العام إلى قضايا وطنيّة في إطار سياسة واضحة معلنة تحييد الرأي العام عن الشأن العام بالمعنى العلمي للكلمة .

   نعيش اليوم على وقع معضلات و تحدّيات كبيرة في كلّ المستويات و في وضع إقليمي متحرّك و وضع دولي متوتّر فهل يتمّ طرح هذه المسائل في فضاءاتنا الاعلامية سوى بعض الاستثناءات التي لا وزن لها أمام عموم المشهد.

    متى تمّ طرح العائلات النافذة و متى فتحت الملفّات السوداء للعشريّة السوداء و منها قضية التعويضات و متى طرحنا ملفّ الأمن القومي أو في الملفّات الاجتماعية قضية المخدّرات في الفضاء المدرسي أو تأثير الانترنات على سلوك الأطفال أو على السلوك الجمعي …

إنّ تعبئة المشهد بهؤلاء التفّه الذين يربكون كلّ المسارات و يضربون كلّ محاولة للاصلاح و لا همّ لهم سوى مقاومة مقاومة الفساد لأنّ النسيج الاعلامي يرتبط بشكل واضح بهذه اللوبيات و هو ما يفسّر تغييب الكفاءات التي يمكن أن تعيد للفعل السياسي جدّيته و توجّه الرأي العام لقضاياه الحقيقية و بالتالي عقلنة المطالب الشعبيّة و الفضاء العام برمّته .

   يشنّ الاعلام على السلطة الحالية حربا شعواء لا هوادة فيها و بعيدا عن تقييمنا لآداء السلطة فإنّ المشهد الاعلامي اختزل دوره في الفترة الحالية على انتقاد السلطة و سرد الأحداث المحبطة و الأرقام المخيفة و ذلك لهدف وحيد استرجاع مشهد السمسرة الاعلامية السياسية حيث تتشابه و تتشابك الأصوات و المصالح ليتفرّق دمّ هذا الشعب المقهور بين القنوات و تغيب الكفاءة و الأكفّاء و معها معالم الدولة الوطنية على يد سماسرة المشهد الاعلامي .

  جميلات يحلّلن الأوضاع بشكل قبيح بشع مقزّز و وجوه مستهلكة خاوية رديئة يتحدّثون بإيقاع وضيع و مصطلحات مبتذلة تصدّر للعالم صورة بشعة عن أرض حنّبعل و ابن خلدون ، “كاراكوزيات ” و خزعبلات لم تعد تنطل على أحد في مشهد أصبح تكراره تعذيبا لمشاهد أنهكه الوضع العام و تلاعبت به حفنة السذّج من “الكرونيكوازات” المصنوعة في أعلى مخابر التفاهة.

مقال نشر في جريدة الصباح بقلم سليم العقربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى